24 رمضان 1434

السؤال

السلام عليكم.. أنا بنت أردنية عمري 21 سنة، في ثانية جامعة.. أخطأت بحياتي كثيراً من كل النواحي.. منذ حوالي ستة شهور أحببت شخصاً متديناً وهو أيضاً يحبني وتعلقنا ببعض.. أنا الآن وصلت لمرحلة أني أريد أتغير لأجله وهو سيتغير من أجلي مع أنه متدين، وللعلم هو يمني.. أصبحت أصلي مع أني ما كنت أصلي.. لم أعد أضع مكياج.. ألبس عباءة لكن لم أكن أحترمها حيث كنت أقوم بوضع عطور والآن لم أعد أتعطر.. كان كل وقتي أغاني والآن مسحت كل الأغاني عن موبايلي وعن اللابتوب ونزلت القرآن الكريم كاملاً.. وأذكر الله كل الوقت وأقرأ الأذكار.. حذفت صفحات الحب من بروفايلي.. قللت كلامي مع الشخص الذي أحبه.. أعمل كل هذا حتى يرضى ربي عني ويجعلني نصيبه.. ولكن أنا خائفة أن يعاقبني الله على الأمور القديمة بالشخص الذي أحبه.. وخائفة تغيري يكون لفترة قصيرة وبعدها أملّ.. أدعي ألا يتمكن مني الشيطان ولكني خائفة.. ولا أعرف ما الحل..

أجاب عنها:
أسماء عبدالرازق

الجواب

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، ومرحبا بك في موقع المسلم.
دعينا أيتها الكريمة نلخص رسالتك في النقاط التالية:
- كنت تقعين في بعض المعاصي كالتفريط في الصلاة، والتبرج، والتعطر خارج بيتك، وسماع الأغاني، وتبادل رسائل الحب مع بعض الشباب.
- أحببت شاباً متديناً وهو يبادلك ذات المشاعر.
- بفضل الله تعالى تركت تلك المعاصي واستبدلتها بأعمال صالحة.
- الدافع للتغير إرضاء الله تعالى ليجعل ذلك الشاب من نصيبك.
- تخافين أن يعاقبك الله جل وعلا على ما كان منك بهذا الشاب.
- تخافين الانتكاس.
- تسألين الله ألا يمكن الشيطان منك.
أولاً: هنيئاً لك أختي الفاضلة بتوفيق الله لك للمحافظة على الصلاة فهي عماد الدين، وتركها والتهاون فيها خطير جداً، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر"، وكانت آخر وصاياه لأمته عليه الصلاة والسلام. فحافظي على هذه النعمة لا حرمك الله إياها.
أسعدني تركك للتبرج والتعطر في غير بيتك وهما مما استسهلته النساء رغم الوعيد الشديد الذي يلحق من تلبست بهما، ويكفينا تذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "صنفان من أهل النار لم أرهما"، وذكر: "ونساء كاسيات عاريات، مائلات مميلات، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها"، أعاذني الله وإياك من النار.
كذلك سرني أنك لم تهجري سماع الأغاني وحسب بل استبدلته بسماع القرآن، وهذه نعمة تستحق أن ينفق العمر كله في شكرها.
ألا ترين أختي الكريمة أن الله الذي وفقك لهجران تلك المعاصي العظام، وأبدلك بها أعمالاً صالحة تثقل على كثير من الشابات في مثل سنك رحيم ودود، سترك وأنت على المعصية، ثم وفقك للتوبة، وأرجو أن يجعلك ممن يبدل سيئاتهم حسنات، فقد قال جل وعلا بعد أن ذكر سوء منقلب بعض أهل المعاصي: "إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات"، فعليك بهذه الثلاث، وأحسني الظن بربك وتذكري قوله: "وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدى"، فالغفار الذي يبدل السيئات حسنات بفضله وكرمه لا يعاقب عباده على ما تابوا منه ابتغاء لمرضاته بشرط الاستقامة على أمره.
أختي الكريمة: لا نقول أننا نطيع الله ليفعل لنا كذا، بل نطيعه لأن حقه جل وعلا علينا طاعته، واتباع أمره، ومن طاعته سؤاله أن يمن علينا بما نرجوه من خيري الدنيا والآخرة، فالدعاء من العبادات المأمور بها، والله جل وعلا سميع قريب مجيب، يقول عن نفسه تبارك وتعالى: "وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون" فعليك بطاعة الله، ودعائه لتضمني الرشد وفيه السعادة في الدنيا والآخرة.
أما قصتك مع الشاب المتدين فنصيحتي لك أن تقطعي علاقتك به كلياً، ولو كان صادقاً في حبه إياك فليأت من الباب. وتذكري دائماً أن هذه العلاقة بكل ما فيها من كلام أو خروج أو غيرهما حرام لا شك في ذلك.
أختي الفاضلة: إن كنت تعرفت عليه بشكل مباشر دون وسائط فما هذا بالرجل المتدين، ولا أظنه يرضى لأخواته ما رضيه لك، فلا ترخصي نفسك لمن لا يراك بالعين التي يرى بها أخواته ومحارمه. ولو افترضنا جدلاً أن دافعه لمثل هذه العلاقة معك حبه الصادق لك، وأنه جاد في الزواج بك فاستقرار مثل هذه الزيجة غير مضمون، فالذي لم يمنعه دينه من الخروج معك، لن يمنعه الزواج من الخروج مع غيرك. وما أتعس الحياة التي يلفها الشك والارتياب في أقرب الأقربين! وما أشقى من يظن أن السبيل لسعادته تكون بمخالفة أمر ربه!
أما إن كنت تعرفت عليه عن طريق النت فتصورك لشخصيته وسلوكه مبني على كلامه عن نفسه، وهو في الحقيقة شخص مجهول الحال، وكلامه مع الأجنبيات عنه، ومطارحته معهن أحاديث الحب والغرام يقدح في تدينه وشهامته وأخلاقه. فهو إما لعوب يريد تزجية الوقت، أو خبيث يطمع فيما هو أكثر من ذلك، أو ساذج يريد أن يبني حياته ومستقبله على محادثات لا يجزم بصدق ما دار فيها. أيتها الكريمة ما يدريك أنه صادق في حبك؟ وما يدريك أنه يدعي لغيرك ما يدعيه لك؟ الشيء الوحيد الذي يمكنك الجزم به أنه من البشر، ولا أظن أن فتاة عاقلة مثلك يمكن أن تتعلق بشخص ما لمجرد أنه من جنس البشر. أما حقيقة حبك فهي للصورة التي رسمها هذا الشاب عن نفسه في ذهنك، ولو قابلته هو نفسه عن طريق ذات الوسيلة بمعرف آخر وعكس لك صورة سيئة عن نفسه فستكون ردة فعلك الكراهية والاحتقار!
من جانب آخر: لو راجعت سجل العلاقات السابقة فستجدين أنك في كل مرة تعيشين فورة للمشاعر، وتتخيلين أن صاحبك هو فارس الأحلام، ثم ما تلبث تلك المشاعر أن تفتر ويسهل عليك استبدال حبيب بحبيب. ولعل صاحبك هذا وقع فيما وقعت فيه، وقد يأتي عليه يوم يستبدلك فيه بغيرك. هل عندك ضمانة على غير ذلك غير الوعود ومعسول الكلام؟
أختي الكريمة تعرفين أن في علاقات الشبان والشابات يحرص كل منهما على المجاملة والتصنع والتجمل بأفضل ما يستطيع من صفات، وعند أول مشكلة تظهر الكثير من القبائح التي لا يتخيلها كل واحد منهما في صاحبه. لذا لا يمكن أن نعتمد هذه العلاقات وسيلة للتعرف على زوج المستقبل، بل لا بد من معرفة حقيقته من خلال حياته الحقيقية التي يعيشها مع أهله، وجيرانه، وزملاء دراسته وعمله. والرجل يستطيع أن يقيم الرجل، وينتبه لما لا تنتبه له المرأة، ويعرف من دخيلة نفسه ما يخفى على المرأة، والعكس صحيح. لذلك تقييم محارمك الرجال لهذا الشاب أو غيره عن طريق السؤال عنه، والجلوس معه أدق بكثير من تقييمك له من خلال جلسات الحب الكاذب التي يزين فيها الشيطان للطرفين ما لا وجود له في الواقع. والقصص التي بدأت بجلسات الحب وانتهت إما بمصيبة، أو صدمة في الطرف الآخر، أو زواج فاشل كثيرة جداً ودونك محركات البحث وأركان الاستشارات ووقائع المحاكمات. فاختاري السلامة وأنت في بداية الطريق.
دعيه أيتها الكريمة، واهجري طريق التعرف على الشباب كلياً، وسلي الله أن يحفظ قلبك من التلوث بحب هذا والإعجاب بذاك ممن لا يستحقون حباً ولا إعجاباً.
أسال الله أن يرزقك زوجاً صالحاً تقر به عينك، وذرية مباركة تسعدين بالحياة معها، وأن يحفظك من كل سوء.