أنت هنا

التقصير بحق القصير
28 رجب 1434
موقع المسلم

كانت الصواريخ تتزاحم حد الاصطدام في سماء مدينة القصير، ولم يكن يسمع أهلها إلا إدانة لقصفها، وكانت عناصر ميليشيا "حزب الله" تتدفق عبر الحدود اللبنانية بلا حسيب أو رقيب، ولم يبلغ المعتدون إلا تحذيراً من الخارجية الأمريكية، الذي يبطن تحذيراً لقائد الميليشيات ألا ينجز مهمته بسرعة لكيلا يحرج الغرب، وكان الجيش الأسدي المجرم يطوق من الشمال والشرق، فيما يسانده "حزب الله" من الجنوب والغرب، وإيران تدير المعركة من خلال قيادات حرسها الثوري..

المعركة، قلنا هنا أنها مصيرية واستراتيجية وفاصلة، وتوقعنا ألا تصمد طويلاً، فالتفوق واضح، والسلاح الجوي والصواريخ لا يمكن عسكرياً صدها إلى ما لا نهاية، لذا قلنا آنفاً: إن " ما يبدو صادماً الآن، هو إدراك طرف مجرم لحزمة الأهداف والأحداث هذه إن حقق غلبة في القصير، ولا ندركها نحن، ولا نفعل شيئاً من أجل إيقاف المجزرة، حكومات وشعوباً.."، ولكن الصدمة وقعت، فلم يك ممكناً أن يستمر الصمود دون مدد ولا دفاع جوي، ولا التضحية بعشرات الآلاف من الأرواح، فأما المجاهدون والثوار فقد أدوا ما عليهم، وأما الشعوب من ورائهم فمخطئة، وأما الحكومات فالخطأ هو أقل ما يقال عما اقترفته بصمتها ثم بغسل يديها بإدانة خرقاء لا تقدم شيئاً ولا تؤخر؛ إذ الجميع متفق على أهل سوريا، والتكتيك أن تذهب فئة من المعارضة منكسة الرأس، ولديها من التبرير والتحوير ما يمكنها من تسويق الاستسلام في جنيف 2 ، إذ سيعز الصمود في كل جبهة! وهذا ما تريده القوى أن توصلنا إليه في النهاية..

لكن لا، فالذهاب الآن إلى جنيف 2 هو نوع من الاستسلام، والضغوط الممارسة على شعب سوريا كي يرضوا بفتات الثورة ستجعل كثيرين يدركون حجم المؤامرة والخديعة التي يتآمر فيها الغرب قبل الشرق، و"إسرائيل" قبل إيران، والمطلوب رأس المقاومة لهذا المخطط الصهيوأمريكي، الذي ينفذه الإيرانيون وحلفائهم العلويين والشيعة في سوريا ولبنان والعراق، وما حصل في القصير ربما من حيث لا يشعرون دافع قوي نحو مزيد من التحرك الميداني التنسيقي والعسكري؛ فلم يعد ثمة ما تخسره المقاومة لمشروع "إسرائيل" الذي يتولى بشار الأسد وأعوانه بعض ملفاته.

لقد مثلت القصير هزيمة عسكرية لكنها صارت انتصارا عقديا وفكريا وسياسيا من حيث لا يشعرون؛ فالذين تمترسوا خلف مشروع وهمي للمقاومة انكشفوا بكل وضوح، وبلا حاجة لأي مشروع تنويري؛ فحزب الشيطان كافح لعقود حتى يستر وجهه الطائفي فنجح مراراً لكنه سقط الآن بكل وضوح، وسقوطاً لن تقوم له من بعده قائمة، ومثلما استبدلت إيران حزب الشيطان بحركة أمل بعد أن فقدت الأخيرة لافتة "المقاومة"؛ فإن الحزب يتحرك الآن بلا غطاء أو عقيدة قتالية سوى تلك الطائفية فألجأته إلى سلاحه لا منطقه، وحيث مثل بالأمس خديعة تجمل وجه إيران، لم يعدها الآن.

تذكرون، حين كان يناور "نصر الله" زعيم الحزب هارباً من كل اتهام يلاحقه بالاشتراك مع ميليشيات بدر و"جيش المهدي" بالعراق التي اشتهرت بارتكاب المذابح، في العقيدة والفكر والولاء لـ"الفقيه" الإيراني، إلى حد التبرؤ منها؛ فإذا هو الآن يحاكيها بكل وضوح فاقداً أي قدرة على التعمية والتقية..
والطائفي حينما يفقد "تقيته" ينهزم.. لأنه سيصير صريحاً.. وإذا صار سيضيع، تماماً كرفيق الظلمة عندما يفاجئه بريق الضوء الساطع فيعمى..