ظل مستقراً في أذهاننا لسنوات أن "إسرائيل" لا يمكن أن تعمل ضد نظام بشار الأسد، وإن أقصى ما تستطيع فعله أن تضبط أداءه ولا تكسر ظهره، بما لم يحتج إلى تكرار وتوكيد مستمر، لكن جاءت الغارات "الإسرائيلية" الأخيرة؛ فقدحت الشك في يقين البعض حول رغبة الكيان الصهيوني في تسديد ضربة موجعة لنظام بشار الأسد النصيري، بما استدعى أن نعيد قراءة المشهد بعد أيام من قصف أهداف محدودة في سوريا.
وفي الإعادة لابد من التسليم بأن الكيان الصهيوني والولايات المتحدة لا يمكنهما أبداً أن يقدما على ما يقدم خدمة جليلة للمجاهدين والأحرار في سوريا، ويسهل عليهم المهمة، إلا في حالة واحدة، وهي وصول المخططين العسكريين الصهاينة والغربيين إلى نتيجة مفادها أن نظام بشار يسقط حالاً، ولابد من التدخل لضبط أداء وارثيه، لذا كان التفسير الأولي للغارات لا يتجه إلا إلى إحدى مسارات ثلاثة:
ـ إما أن الكيان الصهيوني قد خلص إلى أن نظام بشار يسقط، وأنه يريد أن يتخلص من الأسلحة الباليستية والمتطورة التي يمتلكها خشية أن تقع في أيدي الجماعات السنية المسلحة (الجهادية والجيش الحر).
ـ أو أن "إسرائيل" قد أرادت أن تضخ لنظام بشار دماً جديداً يساعده على تسويق فكرة قيادته أو مساهمته في محور "الممانعة" ضد "إسرائيل" والتخطيط الأمريكي للمنطقة!
ـ أو أن الكيان الصهيوني قد بدأ في المساهمة في جهود الضغط على بشار للتنحي تفادياً لوقوع الأخطر.
وبرغم استبعادنا للمسار الثالث منذ البداية، إلا أنه ما أعقب الغارات من التصريحات والوضوح الصهيوني في الرغبة في عدم مواصلة تلك الغارات قد أنهيا أي نسبة احتمال ولو طفيفة بهذا المسار؛ فقد بدا أن الصهاينة غير راغبين حتى اللحظة في غياب بشار، على الأقل ريثما تتحدد ملامح النظام الوارث له.
لقد اكتفت "إسرائيل" بالغارات الغامضة، وغير المعروفة النتائج، والتي أشبهت بعملية دقيقة أو دعاية مجانية للنظام، وهي على كل حال لا تضر نظام بشار كثيراً في أسوأ حالاتها؛ فحرمان الثوار من السلاح المتطور يصب في صالح النظام الطائفي الحاكم في دمشق، تماماً مثلما تصب دعاية "إسرائيل" له في صالحه.
وفي الحالين؛ فإن الشواهد قد دلت على أن الغارات لم تكن إلا عملية لمساندة نظام بشار بكل معنى الكلمة؛ فمصادر الثوار علاوة على الصحافة الصهيونية والبريطانية قد أكدت جميعها على أن الغارات قد حرمت الثوار غنيمة كانوا على وشك الظفر بها في جمرايا وغيرها، كما أن حالة الاصطفاف الناصرية واليسارية في العالم العربي فوراً ضد الغارة الصهيونية واستغلالاً لها للجهر لأول مرة بالوقوف خلف نظام بشار قد كشف بما لا يدع مجالاً لشك أن هؤلاء قد كانوا ينتظرون إشارة البدء لإطلاق حملة مساندة للمجرم الفاشي بشار الأسد، وقد كان على "إسرائيل" أن تطلق صافرة البداية، وقد فعلت.