أنت هنا

القابلية للاستغفال!!"مجازر"بوسطن و"حادثة"سوريا
10 جمادى الثانية 1434
موقع المسلم

(....والآن ننتقل إلى الحدث الذي اهتز له العالَم.....)!!

هذا ما نطقت به مذيعة إحدى الفضائيات الإخبارية العربية، وتقصد بالحدث الجلل الذي هز العالم، التفجيرين اللذين وقعا بمدينة بوسطن الأمريكية، وأسفرا عن مقتل ثلاثة أشخاص-بالتمام والكمال!!-وجرح عشرات آخرين.. أما الأخبار التي سبقت الانتقال إلى "الكارثة العظمى" في أمريكا، فكانت عن مصرع أكثر من 100 سوري بطائرات ودبابات وصواريخ نيرون العصر بشار الأسد، وتدمير عشرات المنازل فوق رؤوس أهلها من النساء والأطفال والشيوخ وقليل من الرجال وجميعهم عزل. وترافق الحدث الأمريكي الذي احتفى به الجميع عرباً وعجماً مع نداء أصدرته خمس منظمات أممية تابعة للأمم المتحدة يقول باختصار:أنقذوا الشعب السوري من كارثة إنسانية محققة!!

 

المذيعة لم تخطئ إذا أرادت باهتزاز العالم لهاث الساسة ووسائل الإعلام بمختلف اللغات وراء الحادث الأمريكي!! وكل هؤلاء المتسابقين إلى الشجب والتنديد والاستنكار الشديد صمتوا صمت أهل القبور إزاء مجازر:الحولة والقبير ودوما وبابا عمرو و..... وكذلك فعل أكثر هذا الإعلام المهرول يومئذ.بل لماذا نعود شهوراً إلى الوراء تحفل بالمجازر اليومية للشعب السوري، فمنذ اسبوع تقريباً فتكت عصابات الطاغية بـ61 من المدنيين العزل المسالمين ومعظمهم من النساء والأطفال بمدينة الصنمين، ومن هؤلاء الضحايا الأبرياء 20 شخصاً تم نحرهم بسكاكين الحقد الطائفي المحلي منه وكذلك المستورد من إيران وعراق الهالكي ومجرمي نصر الله وعبدة القبور الرافضية في باكستان وأفغانستان!!

 

هذه المفارقات المضحكة المبكية قد تستدعي إلى الذاكرة مقولة علامتنا ابن خلدون الشهيرة: إن المغلوب مولعٌ دائماً بتقليد الغالب!! وهي مقولة عبّر عنها المفكر الجزائري الراحل مالك بن نبي بتسمية بليغة ودقيقة، هي: القابلية للاستعمار!!
فإذا كان الإنسان السوي الفطرة السليم العقل يأبى استعلاء الغربيين بعامة والأمريكيين واليهود منهم بخاصة على سائر البشر، فكيف يستطيع استيعاب خنوع عبيدهم لهذه الغطرسة الذميمة من المنحدرين من بيئات مسلمة وأرومة عربية؟

 

قد يجادل بعضهم متذرعاً بـ"أساس شرعي" قوامه أن من {قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ} [المائدة: من الآية32].

 

وهذا حق يراد به باطل، فبعيداً عن تمحيص الفروق الجلية بين النص الكريم الجامع المانع وبين ملابسات الحالة موضع الكلام، فإن القضية هنا هي السعار الذي يصاب به الغرب لمقتل بضعة أفراد من مواطنيه وبين مذابح يومية تجري بتواطؤٍ منه على مدى سنتين تقريباً.فالمسألة ليست مجرد المفارقة العددية الهائلة-على أهميتها-وإنما استمرار المجازر بالرغم من قدرة الغرب على منعها، بينما تحرص عواصم النفاق الكبرى على منع الضحايا من الدفاع المشروع عن النفس.فما زلنا نأخذ على العبيد تبعيتهم العمياء وما زلنا نقيم الحجة القاطعة على خيانة المبدأ، وهي قضية عمرها قرون، وقد عبّر عنها الشاعر أديب إسحاق منذ نحو مئة سنة بقوله:
           قَتْلُ امرئٍ في غابةٍ                       جريمةٌ لا تُغْتَفَرْ
          وَقَتْلُ شعبٍ آمِــــــنٍ                       مسألةٌ فيها نَظَرْ
      

 

وحتى في الجانب العددي يتعذر على المنصف أن يغض النظر عنه بالكلية، فما من ريب في أن هول جريمة تنتهي بمصرع ألف إنسان ليس كجريمة يلقى فيها خمسة أفراد مصرعهم!!
كما أن عملاً مثل الذي وقع في بوسطن الأمريكية أمر استثنائي وليس سياسة منهجية وليس في الوسع مواجهته بغير الوقاية أمنياً وانتهاج العدالة ونصرة الحق معنوياً، بينما حمام الدم السوري يمكن وقفه لو كان لدى الغرب ضمير إنساني من أي نوع.

 

ولننظر إلى المفارقة المفزعة بين التهويل من حادثة بوسطن المنفردة، وبين أنهار الدم المتدفقة في سوريا بينما يتراجع أوباما حتى عن الخط الأحمر الوحيد الذي رسمه لصبيهم بشار وهو استعمال السلاح الكيميائي، فواشنطن ترفض إثبات حصول ذلك وتأبى ان تنفيه في الوقت نفسه، مع علم الجميع أن لدى الأمريكيين وسائل للجزم بالكارثة أكثر مما يملكه حليفاها الفرنسي والبريطاني اللذين أكدا الجريمة الأسدية!!
والحقيقة أننا لم نقرأ المسكوت عنه مع أنه مدسوس ما بين السطور، فالخط الأحمر الذي حدده الرئيس الأمريكي ما زال قائماً وهو إصابة أي صهيوني بأي قذيفة كيميائية!!