مع حلول ذكرى احتلال بغداد وسقوط نظام الرئيس الراحل صدام حسين في إبريل 2003 تتجدد المظاهرات والوقفات التي يقوم بها الآلاف من الغاضبين من نظام رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي، ويستشعر الملايين من العراقييين في تلك الذكرى باستمرار الاضطهاد منذ أن جثمت الدبابة الأمريكية على جسر دجلة ببغداد معلنة إعلامياً بتأريخ الاحتلال الأمريكي البريطاني الإيراني للعراق.
مرت عشر سنوات من الضيم، ولم تتحقق الديمقراطية التي وعدت بها الولايات المتحدة؛ فالجاثم على صدور العراقيين الآن هو الخاسر في الانتخابات الأخيرة، وبالتالي فحكمه لا يتمتع بالشرعية، كما أن الانتخابات ذاتها لم تكن يوماً عادلة منذ أن حطت جيوش الاحتلال رحالها بالعراق؛ فلقد تم تفصيل الدوائر الانتخابية لتمنح الشيعة حصة أكبر من المقاعد بطريقة متعسفة وديكتاتورية.
مرت عشر سنوات، ودولة القانون غائبة تماماً، والآلاف ما بين سجن وتعذيب، والمكون الأكبر من العراقيين يشعر أنه مواطن من الدرجة الثالثة ـ على الأقل ـ بعد الإيرانيين والشيعة العراقيين، ويتفوق على العرب منهم إخوانهم من الأكراد الذين حظوا بقدر مما كانوا يتطلعون إليه، ولم ينالوا معظمه.
وتزامنت الذكرى مع سوق عشرات النساء المعارضات للإعدام في دولة هي الأولى الآن في انتهاك حقوق المرأة، وهي الدولة التي زعمت الولايات المتحدة أنها ستمثل نموذجاً لاحترام كل ما سبق من حقوق المواطنة والحريات وسيادة القانون ووضع المرأة.. فإذا هي تمثل نموذجاً لتضييع كل هذا وفوقه سيادة البلاد وكرامتها واستقلالها.
عشر سنوات بطولها لم تكف لبناء مؤسسات دولة تحقق للمواطن العراقي ما كان يصبو إليه، وشهور وأيام في أيام الربيع العربي حققت قدراً أعلى من هذه في دول مجاورة، وتلك هي المفارقة المشينة والمهينة للولايات المتحدة الأمريكية؛ فلا يمكن مثلاً مقارنة الدستور العراقي بنظيره المصري، ولا الحريات العراقية بنظيرتها التونسية، ولا وضع المرأة العراقية بأختها الليبية.. الخ إنه الفرق بين الاحتلال والربيع..
والربيع، هو ما يتطلع إليه العراقيون السنة الآن، ويصبرون على فاتورته التي بدأوا في دفع أول دفعاتها، مع شعور متنام لدى الطبقة الطائفية الحاكمة في بغداد أن التصدي لهذه الثورة العراقية أمر محتوم ليبقى تغولها على العراقيين لاسيما السنة منهم.
إن حصاد هذا العقد مبرهن على فداحة الجريمة الغربية الصفوية في العراق؛ فها هو الزمن قد طال ولم تنسحب قوى الاحتلال تماماً من العراق على الرغم من كافة الوعود باستقلال البلاد، وهاهي السنون مضت والمكون الأكبر لم يزل يستشعر مرارة الظلم منذ أن بدأ دموياً بمقتل مئات الآلاف وتشريد وترميل الملايين، حتى إن قطاعات عريضة فيه تحجم عن الانخراط في الثورة ليس كرهاً لها، ولا لأنهم يؤمنون بوجود قنوات "شرعية" أخرى، سياسية لبث شكواهم والمطالبة بحقوقهم، وإنما لأنهم يؤمنون بالأساس أنهم يواجهون وحوشاً ضارية تستلذ بطعم الدم، وتتخذ قشرة رقيقة من الديمقراطية الزائفة، وهذه الوحوش سوف لن تتورع عن محاكاة المذبحة الجارية بحق الجيران السوريين التواقين للحرية.. خصوصاً أن المحرك لكليهما سيكون واحداً.. فالحرس الثوري الذي يحكم من طهران، يحكم أيضاً في دمشق وبغداد، وهو لم يعرف إلا المذابح مسلكاً لإسكات أصوات الأحرار.
إن الخوف بدأ يذهب من نفوس الغيارى العراقيين، وتطلعهم للعدالة والحرية آخذ في الزيادة، وتحركهم مدفوع بفاتورة دم باهظة لم تدفع بعد الثورة، بل قبلها بسنوات!