في حوار مطول مع الناشط السياسي والإعلامي الأحوازي عادل السويدي، أجاب في حلقته الأولى عن عديد من الأسئلة الخاصة بالتعريف بتركيبة إيران الداخلية، وتحدث عن مكوناتها الإثنية، وأحجامها، وعن طبيعة هذا البلد غير المتماسكة..
ونواصل مع الحلقة الثانية، حيث الفارق بين جهود البلوش والأحواز ضد إيران ومدى اختلافاتها، وتحدث عن فكرة توطين القوميات في مناطق الأحواز، وعن العلاقات الأمريكية الإيرانية..
نص الحوار:
- ما الخطر الذي يمكن أن تشكِّله الأحواز على إيران والمنطقة ؟.
إيران لا تريد أيَّ تحرُّك في الشَّأن الأحوازيِّ، لأنَّ هذا الغول إذا تحرَّك، وبدأ يضرب أنابيب النَّفط، فهذا سيشكل خطرًا كبيرًا في المنطقة بحسب اعتقادهم، فاحتلالهم للأحواز مستمرٌّ، وكلُّ أنواع الظُّلم والبطش مستمرَّة، ونحن نتحدَّث عن استيطان بالأرقام، القضية الأحوازيَّة قضيَّة خطرة، ومعقَّدة، لا ترضاها أمريكا ولا إيران.
- تشهد إيران بين الفينة والأخرى، انتفاضات أو اضطرابات، في مناطق الأكراد والبلوش، وكذلك في الأحواز، لكنها كثيراً ما لا تكون متوافقة ومتزامنة، إلا في بعض الحالات خلال السنوات الأخيرة، هل يشير هذا التَّزامن إلى أنَّ القوميَّات بدأت تسلك طريق تفكيك إيران للحصول على حقوقها ؟.
أتمنَّى أن يحصل هذا، فنحن لا نريد أكثر من الحصول على حقوقنا، كلُّ ما نطلبه هو الحصول على حقوقنا. وقد وصلنا إحصاء رسميٌّ مسرَّبٌ من وزارة الدَّاخليَّة الإيرانيَّة، ينبِّه إلى أنَّه كلَّما زاد الوعيُّ القوميُّ بين القوميَّات، فإنَّ النَّزعة القوميَّة في مواجهة الفرس تزداد، وقد وضعوا نسبًا لوجود هذه النَّزعة فكانت على التَّالي: البلوش بنسبة 86 %، يليهم العرب بنسبة84 %، ثمَّ الأكراد بنسبة تصل إلى 62 %، ثمَّ الأتراك والآذريين.
- ماسبب هذا التَّفوق النسبي للبلوش ؟.
البلوش لديهم عمق استراتيجيٌّ، وهي الجبال، فلديهم بيئة طبيعيَّة تعينهم على القيام بما يريدون، بينما نحن أرضنا لا جبال فيها ولا غابات، كما أنَّ عمقنا الاستراتيجي أيضًا محتل في العراق، كما أنَّ لهم امتدادًا في الأراضي الباكستانيَّة.
- لا يعتبر سقف مطالب الفصائل البلوشيَّة عاليًا، فهم يطلبون حقوقًا للبلوش فقط، بينما أنتم تطالبون بالاستقلال، فالمتوقَّع أن يكون الضَّغط عليكم أكبر ؟.
هم أشدُّ في المقاومة لأنَّهم رجال الجبال، يعرفونها جيدًا، وتمرَّسوا على القتال فيها.
- من خلال قراءتك للموقف، هل تعتقد أن الاستقلال هو مطلب البلوش، وأنَّ ما يردِّدونه من مطالبتهم بالحقوق هو عبارة عن شعار لا غير ؟.
نحن والبلوش كلُّنا نردِّد ذات الكلمة فنقول: إيران المحتلَّة "اشرالجاه"، فلا يوجد أحوازيٌّ سواءً كان مرتزقًا أو غير مرتزق، وطنيًا كان أم غير وطنيٍّ، إلا ويريد الاستقلال، وهذا أمر ثابت لا يتغيَّر، لكن! باعتقادي أنَّ البلوش أخذوا بعين الاعتبار قراءة دوليَّة، ونصائح بألَّا يعلنوا عن ما ينوونه من أمر الاستقلال، إلى أن تنضج الأمور، لكن! في بيانات جماعة جند الله هناك مفاهيم صداميَّة واضحة مع إيران.
- تحاول إيران التَّرويج لارتباط جماعة جند الله بتنظيم القاعدة، فهل يوجد فعلًا تنسيق بينهم وبين القاعدة ؟. وهل تتوقَّعون أن تصمكم إيران بهذا على الرَّغم من الخطاب المنفتح الذي تنادون به ؟.
أؤكد تأكيدًا تامًا بأنَّه لا يوجد أيُّ ارتباط، بين جماعة جند الله والقاعدة، وما تروِّج له إيران يعتبر أمرًا عاديًا، بل هو سياسة ممنهجة لديهم في محاربة خصومهم، هذه التُّقية الفارسيَّة المتعارف عليها تاريخيًا، ففي زمن الشَّاه كانت تتَّهم المناضلين الأحوازيين بأنَّهم من النَّاصريين، أو من البعثيين، ليتمَّ إعدامهم، ثمَّ تجدَّدت موضة الاتِّهامات، فأصبحت الوهابيَّة والإرهاب، فالوهابيَّة تعتبر أخطر أنواع التُّهم التي توجَّه للمناضلين. فما تصمنا إيران به سواءً نحن أو إخواننا في بلوشستان، فهذا شأنها، وهو افتراء غير صحيح، فنحن مستهدفون ومحتلُّون، ومن حق أيِّ دولة الدِّفاع عن نفسها، وهذا حقٌّ فرضته الشَّرائع السَّماوية، وكفلته الشَّرائع الوضعيَّة، فالأحوازيون والبلوش والأكراد كلُّهم مستهدفون، وكلُّهم يدافع عن نفسه في وجه هذا الظُّلم الفارسيِّ، والارتباط بتنظيم القاعدة ما هو إلا أوهام يطلقها هؤلاء ليوصلوا رسالة معيَّنة للجهات الدُّوليَّة.
- كيف يمكن تفسير مواقف أمريكا بالنِّسبة لإيران ؟. فكيف تسكت عن الاضطرابات التي تسبِّبها إيران في بعض دول الخليج، وتتعامى عن وجود الحرس الثَّوريِّ الإيرانيِّ في العراق، وعن الامتداد الكبير في بعض الدُّول العربيَّة، ولبنان على وجه الخصوص، فهل يعني ذلك أنَّ أمريكا تسلِّم ما تغنمه للإيرانيين بدون ثمن ؟.
أمريكا تعتبر إيران وإسرائيل خطًا أحمر، وقد ذكرت في كتاباتي معطيات تبرهن هذا، وأكبر مثال على هذا حزب الله في لبنان، فقد كانت فصائل المقاومة في الجنوب اللبنانيِّ كلِّها، وليس فقط حزب الله، وبعد الذي جرى في عام 2006م، لم يبق إلا حزب الله،كان حزب العمل الاشتراكيِّ، وأحزاب ناصريَّة، فأين ذهبت؟ وأين الفصائل الجهاديَّة الإسلاميَّة السُّنيَّة الأخرى؟ أين الفلسطينيون والوجود الفلسطيني في لبنان؟ بقي فقط حزب الله، وهذا لم يأت عبثًا بل جاء حصيلة سنوات طويلة من العمل والتَّخطيط، ثمَّ بعد هذا يأتي السُّؤال: ماذا حدث بعد 2006م ؟.
قامت إيران بتحويل حزب الله إلى حزب سياسيٍّ، ولذا ليبرمان نفسه بعد تدميره لغزة، قال: أريد من حماس أن تقوم بما أقدم عليه حزب الله، وذلك بالتَّحوُّل لحزب سياسيٍّ يرفع شعارات المقاومة بدون أي تطبيق لهذا على الواقع.
- ربَّما يكون هذا التَّحليل صحيحًا، فحزب الله ومنذ عام 2006م،لم يطلق رصاصة واحدة حتَّى الآن، على الرَّغم من المجازر التي جرت في غزَّة، لكن! السُّؤال: في مقابل هذا لماذا لم تسلَّم المنطقة لغير أتباع إيران ؟. فبدلًا من أن يصبح لبنان دويلة إيرانيَّة، لماذا لا يصبح مارونيًا مثلًا ؟. ولماذا سُلِّم للإيرانيين على طبق من فضَّة، فالعراق سُلِّم، ولبنان سُلَّم، ألا يضر كل هذا أمريكا على المدى البعيد ؟.
لا أعتقد، فهذا لا يضرُّ أمريكا أبدًا، فالذي جعل إيران تصل إلى هذه المرحلة هو خطر كان عليها، وكان على الصَّهاينة بشكل أساسيٍّ، فشارون في عام 2002م قال: سأمحي العراق من خارطة الأرض، وهذا ما تمَّ العمل عليه حتَّى هذا اليوم، فما حصل هو رغبة صهيونيَّة أمريكيَّة إيرانيَّة جاءت أمريكا لتطبِّقها، ولولا تدمير العراق أمام إيران، لما كانت إيران تستطيع أن تصل إلى ما وصلت إليه اليوم، فالغرب وأمريكا على وجه الخصوص، درسوا كلَّ هذه الأمور، حتَّى أنِّي قلت: إنَّ هناك اختلافًا بتفاصيل الغنائم، لكن! على أن تكون هناك نقطة محوريَّة، وهي أن تكون إيران هي الرَّابح الأكبر.
- هل تعني بأنَّ إيران مازالت تحت السَّيطرة ؟.
إيران تحت السَّيطرة بكلِّ تأكيد، ومانراه في الدَّاخل الإيرانيِّ من أمور وقعت، وخصوصًا الانتخابات الإيرانيَّة، نجد تناقضًا عجيبًا يحدث في الحرس الثَّوريِّ، وفي الأمن، وفي مكوِّنات الدَّولة الإيرانيَّة، وهي أمور غير مستوعبة، ومعقَّدة جدًا، وما تمَّ ترتيبه في الدَّولة الإيرانيَّة فهو مرتكز على ثلاث ركائز مهمَّة بنتها الأمن "السَّافاك"، والجيش، والدَّاخلية، وهذه ما تزال أمريكيَّة، فقد كانت سابقًا بريطانيَّة، واليوم أصبحت أمريكيَّة، فالجنرالات الذين هربوا، وكان أولهم وزير الدِّفاع: خميني أحمد مدني، الذي أقدم على مجزرة في الأربعاء السَّوداء، في الأحواز، قتل فيها خمسمائة إنسان، وانكشف أمره في دخول الإيرانيين للسَّفارة الأمريكيَّة، فخرجت كلُّ هذه الأسماء، وزير دفاع إيران كان جنرالًا أمريكيًا هرب من العراق، وهو في قائمة CIA، وكلُّ هؤلاء مدرَّبون تدريبًا بريطانيًا أمريكيًا، لحماية الدَّولة الإيرانيَّة، وأمريكا تهدِّد كلَّ من يحاول المساس بهذه الركائز بأنَّه سيصبح عبد المالك ريجي.
وقد تمَّ التَّرويج في الإعلام، أنَّ الصَّهاينة والأمريكان ألقوا القبض عليه، كما أنَّ الصَّهاينة هم الذين سلَّموا عبد الله أوجلان لتركيا، وبالاعتماد على هذا التَّحليل، فالخطوط الحمراء بالنِّسبة لأمريكا ثلاثة: تركيا، "إسرائيل"، إيران. وأنا على إيمان كامل بهذه الحقيقة بناء على المعطيات الآنفة الذكر، وأتمنَّى أن أكون مخطئًا، كما أتمنَّى لو تمَّ تمزيق هذا الكيان الفارسيِّ إلى خمسين دولة، ليأخذ كلُّ من يعيش في هذه الدَّولة الظَّالمة حقَّه.
- هناك مشاكل كثيرة وكبيرة تعصف بإيران، فبعيدًا عن مشكلة القوميَّات، فهناك مشاكل اقتصاديَّة، واجتماعيَّة، وأخلاقيَّة، ومشاكل المتعة، والمخدرات، والتَّفكُّك الأسري، وحزام الصَّفيح حول طهران، وفقر بعض المناطق، والتَّفاوُّت الطَّبقي، ومشاكل ناجمة عن استثمارات الخمس، وتفرُّد بعض الملالي والضُّباط بثروات الدَّولة، وعلى الرَّغم من هذا كلِّه، فما يخرج منه للإعلام سوى أقلُّ القليل، بسبب التَّعتيم الإيرانيِّ على هذه المشاكل العاصفة، كيف تنظرون لهذا ؟.
هذا ملف كبير بالتَّأكيد، فإيران في بعض الجوانب قاربت الوصول لمستوى بعض الدُّول الأوروبيَّة، فهناك تنمية اقتصاديَّة، وهناك إنجازات علميَّة واختراعات، وإبداعات صناعيَّة، وزراعيَّة، وهكذا لتصبح دولة نوويَّة، هناك مراحل، لكن السُّؤال: هل إيران وصلت لهذه المراحل ؟.
- إيران تروِّج لذلك، فهي تتحدَّث عن أقمار صناعيَّة، وعن تطوير عسكريٍّ ضخم ؟.
أين هذا التَّطوير العسكريُّ الذي يدَّعونه ؟.
- صواريخ بعيدة المدى، وغيرها..
الكلام هين سهل، كان الرُّوس أيضًا يروِّجون لأمور كانت كاذبة، وتمَّ اكتشاف أنَّ هذا كلَّه كان يتمُّ بدوافع سياسيَّة.
- هل باعتقادكم أنَّ كلَّ ما تروِّج له إيران مجرَّد أكاذيب ؟.
أنا أجزم بكونها أكاذيب، وهذا الكذب لخداع المنطقة العربيَّة بشكل خاص.
ففي المجال العسكريِّ حين يقال: مناورة عسكريَّة، فهذا يفيد إجراء تجربة على صاروخ جديد تمَّ اختراعه مثلًا، والعالم العربيُّ يصدِّق هذا، ويتمُّ خداعه بالتَّرسانة العسكريَّة الإيرانيَّة، ففي المناورات التي تجريها إيران، لا يكاد ينطلق الصَّاروخ، فإذ بالإرسال ينقطع، والذين يخرجون للحديث عن البرنامج الإيرانيِّ، هم عرب للأسف، أمثال هيكل، الذي وقع في تناقض غريب في أحد برامجه الحواريَّة، علمًا أنَّه رجل موضوعيٌّ وله احترام واسع، لكن! لم ينصفنا نحن عرب الأحواز، فمثلًا بعد انتفاضة نيسان عام 2005م، والتي جرت فيها بطولات لأبناء الشَّعب الأحوازيِّ، بدأت تروِّج إيران بأنَّ هذه التَّفجيرات عمليَّات إرهابيَّة تموِّلها بريطانيا، وينفذها عملاء ومرتزقة أمريكا الموجودون في الجنوب العراقيِّ، مع أنَّ التَّفجيرات كانت تستهدف مراكز أمنيَّة مهمَّة، وأنابيب النَّفط المسلوب منَّا، وكانت العمليَّات كلُّها مصوَّرة، لمواجهة الكذب الإيرانيِّ، حيث أنَّنا لا نملك قناة فضائيَّة نظهر من خلالها رسالتنا وقضيتنا ونضالنا ضدَّ المحتلِّ الإيرانيِّ الغاصب، فلمَّا جاء خاتمي لزيارة مصر، التقى بهيكل، فأخبر خاتمي هيكل والوفد المرافق له، عندما سألوه عن العمليَّات التي تجري في الأحواز، فقال لهم: عمليَّات إرهابيَّة تموِّلها بريطانيا، وينفذها عملاء ومرتزقة أمريكا الموجودون في الجنوب العراقي، فقالوا له: ماذا عمَّا يجري للعرب في الأهواز ؟. فكذَّب كلَّ ما أثبتناه نحن في أفلام الفيديو، ولكن! المفاجأة عندما خرج هيكل على التِّلفاز وسئل عمَّا حصل، فإذا به يردِّد نفس الدِّعاية الإيرانيَّة، ويقول: عمليَّات إرهابيَّة تموِّلها بريطانيا، وينفذها عملاء ومرتزقة أمريكا الموجودون في الجنوب العراقي، هل الإجرام الذي قام به النِّظام الإيرانيُّ من قتل لأطفال في سنِّ الثَّانية عشر والثَّالثة عشر، وسالت دماؤهم الزكيَّة في الشَّوارع، هل هؤلاء مرتزقة ؟.
دارت الأيام ثانية، حتَّى جاء يوم 13/6/2009م، وإذا بخاتمي ومير حسين موسوي وكروبي، أصبحوا معارضين لنهج خامنئي وأحمدي نجاد، فماذا قال نجاد وخامنئي عنهم: هؤلاء مرتزقة وبريطانيين يعملون لأجنده غربيَّة، فهذه ذات التُّهمة التي اتَّهمنا بها خاتمي، يتَّهم هو بها أيضًا، فبدأ هو بالدِّفاع عن نفسه، ويومها كتبت ردًا على هيكل، لماذا تصمت الآن ياهيكل؟.
أيضا عزمي بشارة، يخرج على قناة الجزيرة، وعندما سئل عن دور الإيرانيين في العراق، قال: إيران ليست عدوًا، بل إيران صديقة، لكنَّها تمارس انتهازيَّة في العراق فقط، فإذا كان مفكرونا يفكِّرون بهذه الطَّريقة، فما بالك بغيرهم ؟.
- ماذا عن الجانب الاقتصادي في إيران ؟.
أعلنت مواقع شبه رسميَّة أنَّ نسبة البطالة بلغت (من 28 -42) %، وهذا رقم مهوِّل ينذر بكارثة، ويصل في المناطق غير الفارسيَّة في الأحواز مثلًا إلى50 %، فماذا تظنُّ بهذا الجيش من البطالين ؟. وكم ستنتشر السَّرقة وأعمال القتل والتَّخريب والدَّمار ؟.
هناك ثلاثة ملايين مشرَّد ومشرَّدة في شوارع طهران هائمين على وجوههم، وهناك مافيات للحرس الثَّوريِّ تقوم باستخدام النِّساء في أعمال زنا ودعارة لبعض دول الخليج، ولأوروبا، فماذا تظنُّ أن يكون في البلد وسط هذا الركام المخيف من المشاكل ؟. والفضائيَّات لا تنقل هذا أبدًا، إنَّما تنقل الصُّورة البهيَّة لإيران، وتطورها وترسانتها المسلحة وغيره.
- لماذا لا تنقل الفضائيَّات ما ذكرته من مشاكل داخليَّة ؟.
لا تتجرَّأ.
- لماذا لا تتجرَّأ على نقلها ؟.
لا تستطيع.
- لماذا لا تشاهدها الوفود العربيَّة التي تزور طهران ؟.
ليست المشكلة في أن النُّخب والوفود لا تشاهدها فحسب، بل إنَّها تعود منبهرة من تقدُّم إيران، بدءًا من مطار طهران، وحتَّى شوارعها وبوَّاباتها، لأنَّهم يأخذونهم لأماكن مخصَّصة، ولا يأخذونهم لجنوب طهران مثلًا، فيأخذونهم لمناطق تبهر النَّاظر، فمثلًا لو ذهب عربيٌّ لطهران، فلا يستطيع الذَّهاب كيفما شاء، فهو مرصود ومراقب، وله مواقع محدَّدة فقط ليزورها، فهل يستطيع السَّفر للأحواز أو بلوشستان، فهذا مستحيل، وقد حاول أخ مصريٌّ قبل سنوات، كان متأثرًا بقضيَّة الأحواز، فوصل للمشاركة في مؤتمر لدعم القضيَّة الفلسطينيَّة-كما يزعمون- فأوقفوه بالمطار لست ساعات، ولم يسمحوا له بالخروج من المطار لأيِّ مكان، وأعادوه بعد تسع ساعات إلى القاهرة.
- المتابع لسياسة تصدير الثَّورة، يتوقَّع أن تكون إيران شبه خالية من المشاكل الاقتصاديَّة الدَّاخليَّة، فكيف تقيِّمون هذا الأمر ؟.
التَّعاملات الاقتصاديَّة كلُّها بيد الحرس الثَّوريِّ، وهو يستثمر كلَّ عائدات النِّفط وغيرها في توسيع النَّشاط الاقتصاديِّ خارج إيران، وليس في داخل إيران، فالجزء الشَّمالي من طهران، تمَّ إعماره بشكل رهيب، أمَّا مدن بلوشستان والأحواز وكردستان، لا تصدِّق أنَّ هذا في إيران، فتشاهد مشاهد التَّخلُّف والفقر المدقع، الذي لا يخطر لك على بال.
- ماذا عن الفرس في غير طهران، والآذريين في تبريز ؟.
الآذرين قوميَّة ممولة جدًا، ولديها ثقل اقتصاديٌّ في طهران وفي غيرها، بل ربَّما أفضل من مناطق الشُّعوب غير الفارسيَّة الأخرى، لكنَّها تعاني أيضًا من قضايا سياسيَّة وقضايا قوميَّة أخرى، أمَّا الفرس، فمثلًا الفرس الذين يتمُّ دفعهم وترغيبهم بالاستيطان في الأحواز، فلهم تسهيلات في كلِّ شيء، في الإقامة من حيث تأمين البيوت، ونقل العوائل، والسَّيَّارات، والعمل المنظَّم وغير هذا، لكن! منطقتنا فيها حقد قوميٌّ ضدَّ الفرس، فلذلك لا يقدر الفرس على الاستقرار فيها لما يجدونه من تضايق النَّاس منهم، فيهربون ويعودون لمكانهم الأصليِّ، والأمر هذا يحصل بشكل مماثل في كردستان وبلوشستان.
وقد بدؤوا بسياسة جديدة، تتمثَّل بإحضار الأقليَّات الفقيرة والمعدمة لتستوطن في المناطق غير الفارسيَّة، فمثلًا قوميَّة اللُّور، وهي قوميَّة فقيرة جدًا، والتي منها محسن الرَّجائي وهو صاحب هذه الفكرة، تقوم الفكرة على إغراق الأحواز بالفقراء اللُّور، وهؤلاء اللُّورد، متعوِّدون على الفقر والفوضى، فيتعايشون مع طبيعة المناطق المتخلِّفة، ولو قتل منهم واحد أو اثنين أو ثلاثة، فيصبرون ويقدرون على امتصاص هذه المقاومة، وقد نجح الإيرانيون نوعًا ما بهذه السِّياسة الاستيطانيَّة، فمناطق اللُّور فقرها مدقع، يعيشون في مساكن الصَّفيح في الشَّمس الحارَّة، يكادون يموتون من الجوع.
- كم يبلغ عدد اللُّور تقريبًا ؟.
يبلغ عددهم قرابة النِّصف مليون، وقد يصلون إلى مليونين.
- هل مناطق اللُّور متروكة لعيش الفقراء بدون توفير أسباب المعيشة الكريمة ؟.
نعم بالتَّأكيد، ليس فقط مناطق اللُّور، بل هناك مناطق أخرى، مثلًا في جنوب طهران منطقة تبخانه، وهي تقع في وسط طهران، فلو رأيتها لا تصدِّق نفسك أنَّك في طهران، فعلى الرَّغم من ارتفاع درجات الحرارة، فلا مياه ولا خدمات ولا توفير لأدنى سبل العيش الكريم.
- لكن! هذا الأمر موجود في كلِّ الدول، حتَّى دول الخليج، توجد مناطق يعيش فيها الفقراء بظروف إنسانيَّة صعبة جدًا ؟.
أولًا: ليست بنسبة الموجود في إيران. ثانيًا: نحن نتكلَّم عن دولة نوويَّة، ودولة صناعيَّة، أيُعقل أن يكون فيها هذه المناظر الفظيعة ؟. لماذا لا تصرف قليلًا من هذه المليارات على مناطق الفقراء ؟. أين تذهب الخيرات والمليارات ؟. كلُّها تذهب للعمل المسلح، وللتَّرويج الدِّعائي، وتصدير الثَّورة، فإيران لديها أوراق كثيرة تحتاج لتمويلها، كالحوثيين في اليمن، وحزب الله في لبنان، وتمويل المرتزقة في البحرين، وكذلك تمويل عملائها في العراق، وشعبها يموت من الجوع!!.