قبرص.. تأميم أموال الشعب
17 جمادى الأول 1434
تقرير إخباري ـ نسيبة داود

إذا كنت رجل أعمال في قبرص اليوم فأنت ممنوع تلقائيا من التصرف في أموالك التي في البورصة وفي البنوك وكافة المؤسسات النقدية لأنها مغلقة، كما أنه فور إعادة فتح البورصة والبنوك فإن رصيدك المالي سيقل بنسبة 40% ستأخذها منك الحكومة –عنوة- من أجل تسديد ديونها للاتحاد الأوروبي.

 

هذا هو ملخص خطة الإنقاذ المالي في قبرص التي وضعها الاتحاد الأوروبي بقيمة عشرة مليارات يورو، ليتم فرضها على الشعب القبرصي دون استفتاء، بعد أن تم بالفعل تطبيقها يوم الاثنين الماضي.

 

وتقضي الخطة بتحميل المودعين "بعض الخسائر"؛  إذ يتعرض أصحاب الودائع التي تفوق 100 ألفِ يورو لاقتطاع إجباري بنسبة 40% من أموالهم مساهمة منهم في التضامن المالي لمواجهة أزمة البلاد.

 

ويقول زعماء الاتحاد الأوروبي ومهندسو اتفاقية الإنقاذ المالي إنها جنبت قبرص فوضى الإفلاس التي كانت ستجبرها على الخروج من الاتحاد الأوروبي، لكن هذه الاتفاقية سوف تصطدم بعدة مشاكل مثل فقدان الوظائف والانكماش الاقتصادي.

 

وقد دفعت الخطة، التي تنص كذلك على اندماج أكبر بنكين في البلاد مما يفقد العديد من الموظفين وظائفهم، آلاف المواطنين إلى التظاهر ضد الخطة التي وصفوها بأنها "سرقة في وضح النهار وفي أبشع صورها".

 

وأكثر من يتضرر من هذه الخطة هم كبار السن الذين قضوا أعمارهم في جمع أموال من وظائفهم البسيطة من أجل أن يكفلوا لأنفسهم حياة كريمة في خاتمة أعمارهم. لكنهم الآن يرون مدخراتهم في مهب الريح ضحية عبث السياسيين والماليين في أوروبا.

 

كما يتضرر من الخطة المستثمرين الأجانب خصوصا الذين أتوا إلى البلاد على أمل وجود فرص استثمارية، دون أن يكون لهم دخل بالمشكلات الاقتصادية التي تمر بها منطقة اليورو؛ فإذا بهم يفاجئون بتأميم أموالهم على مرأى ومسمع من العالم.

 

وظلت البنوك مغلقة في قبرص منذ أسبوعين، ومن المنتظر أن تعيد السلطات فتحها في وقت لاحق يوم الخميس. أما البورصة فقد مددت السلطات وقف أعمالها الذي بدأ قبل أسبوعين أيضا، حيث كانت آخر جلسة تداول في بورصة قبرص قد جرت يوم 15 مارس.

 

وأعلنت الجزيرة عن ضوابط على تحويلات العملة للحيلولة دون تهافت العملاء على سحب ودائعهم عندما تستأنف البنوك نشاطها يوم الخميس.

 

وذكرت البورصة أنها ستواصل تعليق أعمالها خلال عطلة "عيد القيامة" الرسمية التي تستمر من 29 مارس إلى الأول من أبريل مع توقف المدفوعات بين البنوك في الاتحاد الأوروبي خلال هذه الفترة.

 

وأكثر ما تخشاه السلطات في قبرص أن يسارع المودعون إلى سحب أموالهم من البنوك عقب فتحها مباشرة، ما يؤدي إلى هروب رؤوس الأموال.

 

كما يخشى البعض من امتداد هذه الخطة الرامية للحصول على التمويل الحكومي إلى دول أخرى في أوروبا، وربما إلى الولايات المتحدة ذاتها. وربما هذا ما دفع وزير المالية الألماني فولفجانج شيوبله إلى أن يقول في تصريحات له يوم الخميس إن قبرص "حالة فريدة جدا. الكل يعلم ذلك"، مؤكدا: "لقد وجدنا الحل المناسب"، في إشارة إلى خطة الإنقاذ التي وضعها لها الاتحاد الأوروبي.

 

وفي محاولة لنفي احتمال امتداد الخطة إلى أوروبا، وذكر شيوبله أيضا أن لوكسمبورج لديها نموذج أعمال مختلف تماما عن قبرص، معتبرا أن أي مقارنة بين الحالتين أمر "سخيف".

 

وقد أثرت هذه المخاوف على سوق المال العالمي، فقد استقر الذهب فوق 1600 دولار للأوقية بفعل مخاوف من أن يصبح اتفاق إنقاذ قبرص نموذجا لحل أزمات البنوك في منطقة اليورو وهو ما عزز جاذبية المعدن النفيس كملاذ آمن.

 

ويتجه الذهب لتسجيل زيادة بنسبة 1.6 بالمئة في مارس هي الأولى له في ستة أشهر وسط مخاوف بشأن الاستقرار المالي لمنطقة اليورو أذكتها الأزمة في قبرص حيث من المنتظر أن يحاصر مئات المودعين البنوك حين يعاد فتحها في وقت لاحق يوم الخميس.

 

جدير بالذكر أن الاتفاقية المثيرة للجدل التي تنفذ بموجبها خطة الإنقاذ، تنص كذلك على اندماج أكبر بنكين في البلاد وهما بنك قبرص والبنك الشعبي القبرصي. وذكر محافظ البنك المركزي القبرصي بانيكوس ديميترياديس أن الاندماج سيسفر عن إنشاء بنك قوي للغاية.

 

بينما أكد وزير المالية مايكل ساريس أن هذه الخطة أنقذت البلاد من كارثة محققة. وأضاف: "كنا على شفا كارثة واعتقد أن البلاد نجت منها بفضل هذه الاتفاقية ولدينا الآن الأسس اللازمة للتعافي الأولي ثم استئناف عملية النمو .. اتخذنا الخطوات التي تضمن تدعيم المؤسسة المصرفية الرئيسية في قبرص وهي بنك قبرص.. ستكون مؤسسة قوية ومتماسكة وتملك رأسمال كاف للغاية لذا يمكن أن تبدأ في العمل".