في الوقت الذي كانت تستضيف فيه القاهرة مؤتمر نصرة الشعب الأحوازي برعاية قوى إسلامية مصرية وأخرى معارضة أحوازية، كانت طائرة وزير الخارجية الإيراني علي أكبر صالحي تحط في مطار القاهرة.
المعلن من الزيارة لم يكن يخص الأحواز بطبيعة الحال؛ فإيران لديها أكثر من مبرر آخر لزيارة مصر، وتطلعات كثيرة لإقامة علاقات دافئة مع العاصمة المصرية، لكن بالتأكيد كانت الأحواز حاضرة بقوة على جدول أعمال وزير الخارجية الإيراني؛ فلاشك أن طهران قد بدت منزعجة كثيراً لاستضافة القاهرة لمؤتمر لقوى تعتبرها "انفصالية" ـ وفقاً لما جاء في قناة العالم الإيرانية ـ ومن الطبيعي أن ترى في الحدث فعلاً عدائياً غير مألوف من القاهرة حتى في أوج خصامها المعلن معها إبان حكم الرئيس المصري السابق، غير أن اللافت فيما شهدته القاهرة هو ذاك الاهتمام غير المنظور الذي رافق المؤتمر؛ فبعض حضوره لاحظوا مراقبة إيرانية لوقائع المؤتمر تعكس انزعاجاً كبيراً بالمؤتمر وتأثيره المستقبلي؛ فإيران تدرك أن القاهرة سلماً للشهرة والإعلام والأضواء، يسعى إليها الساسة والمثقفون وحتى أهل الفن بغية تحصيل جماهيرية، وفي ظل زخم أحدثته الثورة المصرية؛ فإن الإعلام المصري قد صار حاضراً بشكل واضح ـ برغم التعتيم الذي حاولت أوساط إيران فرضه من خلال قفازاتها في الداخل المصري ـ في مثل هذه المؤتمرات، ولم يعد بالإمكان طمر هذه القضية التي كان معظم الشعب المصري يجهلها تماماً فاهتم بعضه بها، وكذلك؛ فإن طهران تدرك أن أجواء التنافس الحزبية بمصر تسمح بالتباري أحياناً في عرض مثل هذه القضايا وتبنيها بما يسمح لها بالظهور والدعاية، وهو ما يمثل تحدياً إضافياً، وتشجيعاً غير مسبوق للقوى الأحوازية بعرض قضيتها بصورة مغايرة وناجحة هذه المرة في قلب العالم العربي.
طهران تراقب الثورات العربية، وترقب عملية التسنن الجارية بقوة في الأحواز، وتترصد للحالة النفسية المهيئة للانتفاضة بالأحواز، وتتأكد أن الأجواء مواتية لتنفيذ مخطط لإضعاف إيران، أو بالأحرى استثمار ضعفها الفعلي حالياً بفعل الثورة السورية والربيع العراقي، وتتحسب للآتي، وهي تقاوم عسكرياً هنا، وأمنياً هناك، وإعلامياً في ثالث، وفي القاهرة تسعى لتجسير علاقة تعوضها عما ستفقده أو فقدته بالفعل في الشام، وهي قد حضرت ممثلة بوزير خارجيتها منزعجة، لكنها أخفت قدراً من انزعاجها، وهضمت خطبة الرئيس المصري مرسي في مؤتمر قمة عدم الانحياز بطهران، بنوع من البراجماتية بغية بناء علاقة وثيقة مع القاهرة التي تراها بحاجة لدعم مالي قد يفتح شهيتها لتلك العلاقة، وعليه فقد عزمت على المناورة واستخدام سياسة ناعمة جداً تجاه مصر أملاً في الخروج من مأزق العزل الذي تشعر به إيران من جيرانها، وهي أرادت أن تعبر من جسر الاقتصاد إلى حيز الشراكة الاستراتيجية مع مصر؛ فهي تدرك أن حلفاً مع القاهرة سيعوم مشروعها الغارق من جديد؛ فهلا انتبهت مصر، وهلا عاونتها شقيقاتها؟!