دروس من الصراع الإسلامي ـ العلماني
12 صفر 1434
تقرير إخباري ـ خالد مصطفى

تشهد الكثير من الدول العربية في الفترة الحالية صراعا شديدا بين المعسكر الإسلامي والمعسكر العلماني..

 

ويشتد هذا الصراع في دول "الربيع العربي" الذي أتيحت فيها للتيار الإسلامي أن يعبر عن نفسه بحرية بعد سنوات طويلة من القمع والاستبداد على ايدي الأنظمة البائدة والتي كانت تتوجس خيفة منه لمعرفتها بقوة شعبيته في الوقت الذي تركت فيه المجال واسعا للتيار العلماني للتحرك وإصدار الصحف والفضائيات بل ووضعت عددا من رموزه في أماكن بارزة,  ومع ذلك فشل فشلا ذريعا في الوصول للشارع والحصول على ثقته حتى فوجئ بالهزيمة الساحقة أمام التيار الإسلامي "المهمش" طوال سنوات الاستبداد هزيمة أفقدته توازنه وجعلته كالثور الهائج يرغي ويزبد ويوزع الاتهامات عليه يمينا ويسارا..

 

بدأ بالتيار السلفي وأخذ يكيل له الاتهامات بـ "التطرف" و"الإرهاب" و"الوهابية" والعلاقة مع "القاعدة" بل والعلاقة مع "إيران" أحيانا, والحصول على دعم من دول خليجية وإبراز بعض الفتاوى المختلف عليها لتشويه صورته عند العامة واستغلال سقطات لبعض المنتسبين له وتلفيق حوادث غير حقيقية ونشرها عبر وسائل الإعلام التي يسيطر عليها..

 

وعندما ظن أنه فرغ منه التفت إلى التيار الآخر الذي كان يعتقد أنه يمكن احتواؤه بشكل أسهل وهو تيار الإخوان المسلمين وبدأ بشن حرب شعواء عليه خصوصا مع الانتصارات المتتالية التي حققها هذا التيار المنظم في عدة جبهات مختلفة وكان التركيز في هذه الحرب على علاقات التنظيم بالخارج وقضية "السمع والطاعة" ومزاعم عن وجود مليشيات مسلحة لديه والدخول في النوايا بشأن "عدم إيمانه بالحرية والديمقراطية" والتربص بالحكومات الممثلة له ومحاولة تصيد الأخطاء لها رغم قصر المدة التي تولت فيها مقاليد الأمور وصعوبة الأوضاع.. ووسع التيار العلماني من هجومه حتى شمل بعض التيارات الإسلامية القريبة في منهجها من "الليبرالية" كتيار حزب الوسط في مصر واتضح جليا أن التيارات العلمانية لا تريد جوهر الإسلام وثوابته وأن القضية ليست قضية محاربة جماعات تسعى "لاستغلال الدين" ـ كما يزعمون ـ وهذا هو أول الدروس التي ينبغي الالتفات إليها في هذا الصراع وهو أن المحاولات للتقارب مع هذه التيارات ستظل وقتية وخاضعة لمصالحها ولن تمثل استراتيجية يمكن الاعتماد عليها في التعامل مع هذه التيارات؛ فهي تتحرك من منطلقات ستتصادم عاجلا أو آجلا مع المنطلقات التي تتحرك منها التيارات الإسلامية مهما وصفت بعضها من قبل العلمانيين بأنها "معتدلة" ..

 

الدرس الآخر الذي نخرج منه في هذا الصراع هو ان الخلافات المعروفة بين التيارات الإسلامية ـ والتي لا يمكن نكرانها ـ لا ينبغي أن تلهيها عن الوحدة في مواجهة المعركة الحالية مع العلمانيين الذين بدأوا بالفعل في تجاوز خلافاتهم حتى مع فلول الأنظمة السابقة وهو ما يبين انتهازيتهم وبحثهم عن المكاسب بغض النظر عن الوسيلة والمبادئ التي يتشدقون بها ليل نهار.. ومن باب أولى أن يقوم الإسلاميون بإصلاح ما بينهم ووضع خطة واضحة للاتحاد والنزول للشارع يدا واحدة ووضع مشروع للنهضة معا يلبي طموحات الشعوب؛ فالتجربة أثبتت أن العلمانيين لن يشاركوا في إنجاح نظام يسيطر عليه الإسلاميون ولو أدى الأمر لدمار بلادهم فلا ينبغي التعويل على ذلك بعد الآن فهو من قبيل الأحلام...

 

وهذا الكلام موجه لبعض التيارات الإسلامية التي راهنت كثيرا على العلمانيين في محاولة لتقديم نفسها للمجتمع الدولي بشكل "متسامح ومستنير" وهي عقدة استخدمها التيار العلماني كثيرا من أجل الضغط على بعض الإسلاميين والحصول على تنازلات منهم في حين يرفض بعض هؤلاء التنازل قليلا لإخوانهم من الإسلاميين في سبيل تسيير مركب الوحدة ضد من يريدون الفتك بهم جميعا...المعركة حامية الوطيس المحتدمة بين الإسلاميين والعلمانيين رغم تداعياتها السلبية قد تدخل في إطار "رب ضرة نافعة" حتى يتمير الصف الوطني الحقيقي من الصف المختلط والذي يضم الغث والسمين, وحتى يفطن الإسلاميون لحجم المعركة التي تنتظرهم والتي ظن بعضهم أنها أقل بكثير من معركتهم في عهد الأنظمة المستبدة فتبين العكس تماما.