هناك عوامل يمكن أن تؤثر على نتيجة الاستفتاء على الدستور في مرحلته الثانية يمكن إجمالها فيما يلي:
1 ـ المحافظات الباقية ذات طبيعة خاصة فمعظمها يعد زراعيا وحرفيا ولا يغلب عليه الجانب الصناعي ورؤوس الأموال التجارية، وهي الأكثر تضررا من فترة ما بعد الثورة وهي الأكثر قربا من تأثير رجال الأعمال.
2 ـ اعترت الفترة التي سبقت المرحلة الأولى من الاستفتاء أحداث متنوعة أفضت إلى اختصار المدة المتاحة للتسويق لنعم، حيث إن قصر المدة رغم وقوع تأثيره على الطرفين، إلا أنه يصب في الاتجاه التصويتي لـ "لا" لاعتبار أن فريقها يعتمد أكثر على الدعاية السوداء بالفضائيات التي تنتمي إلى فريق لا، أو الفلول في معظمها.
كما أن الدعاية لإسقاط الدستور سواء بمقاومة حصوله أو التصويت بـ"لا" واحدة من حيث الدعاية على الأقل، وهذا قد تم منذ فترة طويلة، بخلاف ما أتيح للإسلاميين من وقت ضيق جدا للدعاية له.
3 ـ بعض أحداث العنف قلصت كثيراً من حركة "الإسلاميين" في الدعاية خشية أن تتحول جهودهم إلى ذريعة للاشتباك بما يمكنه أن يعطل مسيرة الاستفتاء، وقد صدرت تهديدات واضحة مع بعض هيئات القضاة بأنها ستنسحب من الإشراف القضائي إذا سال دم!
4 ـ تسريب العديد من الفيديوهات والمواقف لشخصيات نخبوية تعارض الدستور أمثال البرادعي، وشفيق، وحمدين صباحي، وممدوح حمزة، وعبد الحليم قنديل، وكريمة الحفناوي، وأدمن صفحة آسفين يا ريس، الذي قال كاتب صحفي شهير إنه هو مجدي الجلاد أحد أبرز المسوقين للتصويت بلا عبر صحيفة الوطن الثرية.
والأخطر هو ما أوردته بعض الصحف عن وصف الفريق شفيق لأهالي المنوفية بالبهائم، في لقاء خاص جمعه بزائريه في دبي، وانتشار ذلك بشكل كبير جدا في صفحات التواصل الاجتماعي واستياء من وصلتهم تلك المعلومة في المنوفية وكل المحافظات الزراعية من هذا الاحتقار الذي لم ينف الفريق حصوله برغم مرور خمسة أيام كاملة واشتهار ذلك في كل مكان، بما يؤكد ذلك لدى البعض.
والواقع أن نظرة احتقار رموز من المعارضة للشعب قد أساء كثيراً إليها؛ فقد تسرب مقطع لمكالمة تليفونية للدكتور البرادعي لم يتسن لأحد التأكد منها حتى الآن ـ لكنه أيضا لم ينفها ـ تسب أهل مصر، وكذلك أثارت مطالبة الروائي علاء الأسواني بحرمان الأميين من التصويت على الاستفتاء استياء بالغا لدى قطاعات كثيرة في مصر إضافة إلى نشره مقالا مسيئا للإسلام في الصحافة الألمانية.. أيضا، ما تسرب من مكالمة لمحمد أبو حامد تفيد باحتمالية تنصره، وجميعهم من فريق المعارضة للدستور، كلها أثرت سلباً في الطبقة المثقفة ومرتادي شبكات التواصل الاجتماعي.
5 ـ زيادة رقعة الوعي لدى قطاعات شعبية لم تكن مدركة لحجم المؤامرة على مؤسسة الرئاسة، وعلى مصر بصفة عامة، وتبين ذلك مع الوقت، ومع تنامي الشكوك حول شخصيات بارزة في المعارضة.
6 ـ شيوع فكرة الاستقرار كمرادفة لإقرار الدستور بين الشعب، دون النظر إلى حجم الدعاية، لأن كثرة التظاهرات غير المفهومة تثير قلق القطاع البسيط من الشعب ابتداءً.
7 ـ حكمة قادة التيار الإسلامي في عدم الانجرار للعنف أو الاستفزاز، ونزوعهم إلى ترك الشارع كثيرا للمعارضة منعا للاحتكاك، وبالتالي رصدت جموع الشعب هذا التوجه العنفي لدى أطراف من المعارضة، وظهور انحياز البلطجية إلى صفها.
8 ـ أثمرت الحملة الدعائية السوداء ضد الإسلاميين والرئيس والدستور بعض النجاح في أول الأمر، لكنها مع تزايدها بشكل مبالغ فيه أتت بآثار سلبية استشعرتها الطبقة المتوسطة والمتعلمة، لاسيما بعدما حصلت عدة مناوشات بدا فيها الانحياز الكامل للإعلام ضد الرئيس والدستور.
10 ـ مبادرة الشيخ حازم أبو اسماعيل إلى الاعتصام خارج بوابات مدينة الإنتاج الإعلامي بشكل حضاري، سلط الضوء بشكل مباشر على انحياز الإعلام، ورفد ذلك مطالبات وهتافات في المظاهرات بتوجيه الدعوة لتطهير الإعلام، وهذا قد أحدث أثراً لكن تأثيره الأكبر سيبدو أكثر وضوحاً مع نظرة الريبة المتنامية لدى القطاعات المتوسطة من الإعلام.
11 ـ العامل الطائفي أصبح الآن يصب في صالح "نعم" للدستور، لسببين: الأول يتعلق بقلة الكتلة التصويتية للأقباط في المرحلة الثانية مقارنة بالأولى، ومعروف أنها تلقائياً تصوت ضد المشروع الإسلامي، والثاني يتعلق بوضوح فكرة التصويت الاستقطابي في هذه المرحلة بشكل أوضح من المرحلة الأولى.
12 ـ واضح أن الفارق الكبير بين استفتائي 2011 و2012 عائد في تأثيره الأكبر على قدرة الفلول على الفعل، وقد كانوا منكمشين جدا في أعقاب سقوط مبارك، وبعد نحو شهر فقط من خلعه أما الآن فقد بدا أن الأثر واضحا.. وجوهر التأثير هنا يدفعنا إلى اعتبار بقايا النظام السابق هم الأكثر حضورا في المعارضة والقدرة على الحشد، وقد بدا ذلك واضحا في أكثر من مناسبة لاسيما في ميدان التحرير في الفترة الأخيرة.
ونستطيع مراجعة المشهد مع تحييد بعض العوامل الأخرى؛ فيبدو أن استفتاء 2011 خلا من الفلول فكانت النتيجة نحو 78% ثم ظهر تتأثير الفلول واضحا في انتخابات الرئاسة فبدا مؤيدو المشروع الإسلامي نحو 52% برغم تأييد بعض قوى المعارضة له، ثم تراجع الاستفتاء من جهة مقارنة برفيقه، وارتفعت نسبة مؤيديه "الإسلاميين" إلى 57% حتى الآن بسبب تدخل الفلول أيضاً
13 ـ يتوقع أن يكون لمليونية اليوم أثر ما في ترجيح بعض الآراء لاسيما حينما تعلق بالاعتداء على مسجد القائد إبراهيم، حيث لم يتح الوقت للتأثير حتى في الاسكندرية على تبين الموقف بدقة عشية الاستفتاء.. أما الآن فقد ترك الحدث ليتفاعل ويأخذ حجمه الواضح.
14 ـ هناك عوامل أخرى تتعلق ببعض الإساءات للدين الإسلامي ورموزه، وقد برز أحدها مع علياء المهدي، والأسواني، والبرادعي، وغيرهم في الفترة الأخيرة بما سيترك أثره بلا شك على طبيعة الاستفتاء مع الاعتبار أن كل هؤلاء من رافضي الدستور.
15 ـ انتهاء الجولة الأولى بشكل حضاري، وبإقبال واضح، كشف المعارضة إلى حد ما؛ فما لاقاه المواطنون بأنفسهم داحض برؤية العين لفكرة التزوير، حيث تبينت القوى المعارضة وقنوات المارينز موغلة في الأكاذيب على نحو ممجوج يرفضه العقل السليم، بما أفقدها الثقة إلى حد بعيد لدى البعض ممن أولاها ثقته، وكذلك؛ فإن التصويت بـ"نعم" في المرحلة الأولى، هو في حقيقته دعاية مجانية قدمها المصوتون لمشروع الدستور في المرحلة الثانية..
أيضا؛ فإن استقرار الأوضاع وتقلص إرهاب البلطجية والقناصة قد أشعر المواطن بأهمية إنهاء المرحلة الانتقالية بالسرعة اللازمة..
16 ـ التفكك الواضح الذي بدت عليه المعارضة الممثلة في جبهة الإنقاذ الوطني، والتي تباينت مواقفها، وبدا أن التعويل عليها كجسم موحد للمعارضة هو ضرب من الخيال، فيما بدت القوى الإسلامية موحدة ومتناغمة في مواقفها بأكثر من أي وقت مضى، قد ترك أثره البالغ على مريدي الاستقرار في مصر.
17 ـ ظهور شخصيات مناصرة لإقرار الدستور في شاشات التلفزة مفندة لكل الشبهات، وذيوع أخبار نشر المعارضة لنسخ مزورة من الدستور قد أفقد ثقة الكثيرين بها، ودعا كثيرين لقراءة بنود الدستور بأنفسهم..
18 ـ رفض المعارضة للحوار حشرها في زاوية إعلاء المصالح الشخصية على مصالح الوطن لدى بعض القطاعات الشعبية.