
"لا أرغب في العيش في صفد (المحتلة) ..يكفي أن أراها فقط".. كلمات تفوه بها رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس أبو مازن وحملت تنازلا نادرا عن حق عودة اللاجئين الذين هجرهم الاحتلال منذ عام 1948 من أراضيهم وأشعلت غضب الفلسطينيين المشردين وقد طالما حلموا بالعودة إلى ديارهم ومازالوا مصرين رغم زلات عباس الذي لا يمثل إلا نفسه بالتأكيد.
وفي مقابلة مع القناة الثانية التلفزيونية "الإسرائيلية" الخاصة مساء الجمعة أكد عباس أنه لا يفكر في العودة للعيش في مدينة صفد التي ولد فيها في الجليل وهي محتلة اليوم ، وقال "أريد أن أرى صفد. أنه حقي في أن أراها ولكن ليس أن أعيش هناك".
وأثارت هذه التصريحات غضب حماس وفصائل المقاومة واللاجئين الفلسطينيين في الداخل والخارج وأقام الفلسطينيون في غزة احتجاجات شارك فيها الآلاف السبت في مدينة غزة وفي مخيم جباليا شمال القطاع، وفي خان يونس في الجنوب.
وقال رئيس الحكومة في غزة إسماعيل هنية إنه لا أحد أيا كان موقعه يملك حق التنازل عن قطعة واحدة من ارض فلسطين أو التنازل عن حق العودة، بينما دعت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين -وهي فصيل متحالف تاريخيا مع عباس- اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية والمجلس المركزي للمنظمة إلى "محاسبة الرئيس على هذه التصريحات."
وبعد هذه الضجة خرج عباس بتصريحات جديدة أكد فيها أنه "لم ولن يتنازل عن حق العودة" للاجئين الفلسطينيين وقال إن "الحديث عن صفد موقف شخصي ولا يعني التنازل عن حق العودة ولا يمكن لأحد التنازل عن حق العودة فكل النصوص الدولية والقرارات العربية والاسلامية تنص على حل عادل ومتفق عليه لقضية اللاجئين وفق القرار 194 الذي ينص على حق العودة أو التعويض لمن لا يرغب في العودة أي أن العودة هي الأساس، بحد قوله.
وعباس من مواليد صفد عندما كانت فلسطين تحت الانتداب البريطاني، ونزحت أسرته في 1948 مع نحو 760 الف فلسطيني تشردوا ويشكلون اليوم نحو 4,7 ملايين لاجىء ترفض "إسرائيل" الحديث عن حقهم في العودة إلى ديارهم.
حديث عباس عن رفضه العودة للاجئين يبدو أنه يخفي ما بداخله وهو ما تحدثت عنه "إسرائيل" بدورها حيث قال وزير الحرب إيهود باراك إن عباس أبدى استعداده للتنازل عن حق العودة في إطار مباحثاته مع الكيان الصهيوني، فيما رحب الرئيس "الإسرائيلي" شيمون بيريز بتصريحات عباس، معتبرا إياها "شجاعة" وإن "إسرائيل" لديها شريكا حقيقيا للسلام!.
لكن في المقابل، رأى عدد من الوزراء في حكومة نتانياهو أن هذه محاولة من عباس للتدخل في الانتخابات التشريعية القادمة في "إسرائيل".
وأكد وزير التعليم جدعون ساعر من الليكود (يمين) أن "موقف ابو مازن هو نموذجي من الفلسطينيين قبل الانتخابات في اسرائيل"، مشيرا إلى أن "عباس يريد تعزيز مشروع الدولة غير العضو في الأمم المتحدة. وهذه مبادرة احادية الجانب. وهذا نموذج لرفضه استئناف المفاوضات وهذا أمر خطير. هو غير مهتم بتجديد المفاوضات مع "إسرائيل".
ومن جانبه وصف وزير الخارجية "الإسرائيلية" اليمينى المتشدد أفيجدور ليبرمان عباس بـ"الرجل الكاذب"، وقال إن عباس لا يصارع من أجل السلام، أو حتى من أجل القضية الفلسطينية، بل هو يصارع على حياته الشخصية من أجل البقاء، ولذلك هو يكذب على الأمريكيين والأوروبيين وحتى على أبناء شعبه ويكذب علينا، ومن الواضح أنه عاجز عن القيام بأى شىء".
كما أخذ مسئولو فتح يبررون ويدافعون عن عباس ، حيث قدمت السلطة الفلسطينية روايات متناقضة في دفاعها عن تصريحات الرئيس الفلسطيني، ومن بينهم الناطق بلسان الرئيس الفلسطيني، نبيل أبو ردينة، الذي قال إنها موجهة إلى الرأي العام "الإسرائيلي" للتأثير عليه، معتبرا أن ما جرى محاولات للانقلاب على الشرعية الفلسطينية وإحداث الصراع في الداخل الفلسطيني.
بدوره، قدم نمر حماد، المستشار السياسي للرئيس عباس رواية متناقضة مع رواية أبو ردينة، لافتا إلى أن تصريحات الرئيس لم يرد فيها التخلي عن حق العودة، مشيرا إلى أن التصريحات تركزت على القرار الفلسطيني بالتوجه للأمم المتحدة.
ويرى مراقبون أن محمود عباس وهو رئيس فتح، ورئيس السلطة الوطنية ورئيس اللجنة التنفيذية، لا يعبر بالتأكيد عن مواقف شخصية حين يزعم أمام الإعلام "الإسرائيلي" أنه ليس له الحق في العودة إلى صفد؟! وإنما يُعبّر عن مناصبه، وعن شعبه، وهو أمر يجعل بالفعل الشعب الفلسطيني يرفض تصريحاته، التي جاءت في توقيت غريب وهو الذكرى ال95 لوعد بلفور الذي أعطى اليهود الحق في فلسطين.
وهاهو الآن عباس يخزل شعبه ويستهتر بحقوق بني وطنه الذين عانوا ولازالوا يعانون ويلات الاحتلال منذ عشرات السنين لكنهم سيظلون متمسكون بجميع حقوقهم بما فيها حق العودة لأراضيهم رغم أنف الكيان الصهيوني وايضا رغما عن عباس.