
عند الثانية والدقيقة التاسعة والثلاثين من بعد ظهر يوم الجمعة في التاسع عشر من تشرين الأول 2012 استشهد العميد وسام الحسن في منطقة الأشرفية، بعد اقل من 24 ساعة على عودته الى بيروت وهو في الطريق الى منزل يعتقد انه كان سرياً على الكثير من الناس، إلا الذين قصدوا اغتياله غير مرة قبل ان ينجحوا امس. فلماذا اغتيل وسام الحسن؟
في المرة الثالثة التي استُهدف فيها قبل أشهر، نجا الحسن من الشرك ليقع فيه في المحاولة الرابعة، فكسرت مقولة «الثالثة ثابتة» ليهوي في الرابعة منها صريعاً حيث كان يتوقع غير مرة ان يستهدف، وحتى في الشارع نفسه. فاستشهد ومعه أحد مرافقيه ومجموعة من اللبنانيين المدنيين الذين كانوا في الطريق الى بيوتهم وفي منازلهم، في لعبة كبيرة لا تتسع لها أزقة بيروت.
غليان المنطقة ولبنان
استشهد وسام الحسن في زمان بلغ فيه الغليان في لبنان والمنطقة أوجّه، وبلغ الصراع بين الأحلاف الدولية الكبرى مداه الأقصى، وبلغت فيه لوائح الرؤوس المستهدفة ما لا تتسِع له مثل هذه اللوائح من قبل في اي زمان ومكان.
لم يكن وسام الحسن مجرد رئيس فرع او شعبة للمعلومات في المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي في لبنان، فقد تمكن في السنوات الماضية، وتحديدا منذ تعيينه في 12 شباط 2006 رئيسا لفرع المعلومات بعد عام إلّا يومين من اغتيال صديقه الرئيس رفيق الحريري، بناء شبكة من العلاقات الدولية والاستخبارية جعلته متقدما على العديد من الأجهزة الدولية في المنطقة والعالم.
وسام الحسن والمحكمة الدولية
لم يكن ذلك بالصدفة، فقد تمكن الحسن من تفكيك الكثير من رموز جريمة 14 شباط 2005 وأسرارها، وما وضعه في رصيد المحكمة الخاصة بلبنان ومن قبلها لدى لجنة التحقيق الدولية المستقلة التي كلفت التحقيق في جريمة الحريري، فحوّلها من هيئة تسعى الى اكتشاف المجرمين الى هيئة تسعى الى تثبيت معلومات الحسن، والبحث عمّا يثبت من الأدلة التي تدعم معلومات الحسن وتثبّتها بالوقائع، وما الرسالة الأولى التي تلقاها بداية باغتيال الرائد وسام عيد إلّا الإنذار الأول.
...والربيع العربي
لم يتوقف الحسن عند حدود هذه اللعبة، فواصل العمل بكل القدرات التقنية والعلمية والاستخبارية التي باتت في حوزته. فتجاوز، وعبر الحدود اللبنانية والإقليمية، الى ما هو اكبر فتحوّل هدفا مهما للكثير من الأعداء الإقليميين والدوليين، الى ان تمكن أحدهم منه بالأمس بعدما رفع الكثير من اوراق التين التي كانت تحميه وتغطي جرائمه في لبنان والمنطقة، الى ان بدأت فصول الربيع العربي وبلوغ الثورة دمشق ودرعا والعديد من المدن السورية، وصولاً الى توقيف الوزير السابق ميشال سماحة على خلفياتها السورية قبل اللبنانية، فعاد ليكون اول المستهدفين في السر والعلن.
يعتقد بعض اللبنانيين بأنه كان من الأجدى لو ان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي قد تخلى عن العميد الشهيد، وأقاله من موقعه لكان نجا من الموت. لكنّ آخرين يعتقدون انه كان عليه ان يخوضها معركة حتى النهايات الكبرى، وهو ما اختاره الحسن طوعاً. فهو الذي قيل عنه انه كان يعيش اياما من الزهو بما حقق، فمع اكتشاف كل شبكة من شبكات التجسس لصالح إسرائيل كان يعيش هذه اللحظات، ولمّا وصل الى اكتشافاته الأخيرة عاش ذروة هذه النشوة، فلم تعد تتسع له الدنيا وهو ما جعله اقرب من لحظة الاستشهاد.
الحسن وفيضان الدم السوري
استشهد وسام الحسن في ذروة التحذيرات الدولية من احتمال ان يفيض البركان السوري في لبنان ودول الجوار السوري فتنة وتفجيرا، فلم تعد تتسع الأراضي السورية لبحور الدماء التي تسيل فيها من شمالها الى جنوبها وعمق عاصمتها ومدنها.
استشهد وسام الحسن في وقت تحوّل فيه لبنان ساحة للصراع المعلن بين الأحلاف الدولية التي تحولت الساحة السورية مسرحاً لصراعاتها الدولية
الكبرى، وفي وقت باتت فيه الحدود اللبنانية - السورية مفروزة بين قطعات، منها ما هو لقوى 8 آذار يستخدمها النظام السوري وحلفاؤه في لبنان، وأخرى لقوى 14 آذار يستخدمها الجيش السوري الحر ومسانديه.
وليس صعباً تحديد جغرافية هذا الانقسام من عكار الى البقاعين الشمالي والأوسط وعلى مساحة الحدود بين البلدين، فلكلّ قطعته من الحدود يسرح ويمرح فيها على وقع المواقف المعلنة من أهمية النأي بالنفس، وهي سياسة لم يعد يتبناها ويصدقها سوى رئيس الجمهورية ورئيس حكومته وجزء من مسيحيي لبنان، أما بقية المكونات السياسية فقد باتت أسيرة هذه التوزيعة الجيو سياسية الحدودية.
لم يكن مستغربا ان يسقط وسام الحسن شهيدا، لكن ما كان مستغربا ان يموت في فراشه او «مَوت ربه» كما يقال، ولا يعتقدن احد انه كان يعيش هاجسا آخر في اي لحظة من لحظات حياته، وخصوصا في الأشهر القليلة الماضية.