اعتذار واجب للرئيس مرسي
3 ذو الحجه 1433
جمال سلطان

يبدو أن الذاكرة الثورية في بلادنا ضعيفة إلى حد أنها تنسى أهم مطالبها قبل عام ونصف فقط من الآن، فبعد أن انكسر نظام مبارك كان ميدان التحرير لا يخلو في أي مليونية من مليونياته من مطلب عزل النائب العام المستشار عبد المجيد محمود، وكانت جدولاً ثابتاً فيها أن تزحف جحافل من شباب الثورة من فصائل وتيارات مختلفة فى مسيرة حاشدة لمحاصرة دار القضاء العالى تأكيدًا على مطلب الثوار بضرورة عزل النائب العام، وطوال الفترة التي تولى فيها المجلس العسكري مقاليد السلطة كانت أحد الضغوطات المتوالية على المجلس تتمحور حول تواطئه في الإبقاء على النائب العام، وأن مصر بحاجة إلى قرارات ثورية، كل هذا نسيناه هذا الأسبوع أو نسيه البعض منّا وتجاهل المطلب، بل إن البعض تقمّص ثوبَ زورٍ من الاعتزاز باستقلال القضاء، وقال إن عزل النائب العام هو عدوان على السلطة القضائية ، وإذا صح ذلك فإن على الجميع أن يتقدموا باعتذار علني وموثق للمستشار عبد المجيد محمود عن الشتائم التي كالوها له طوال عام ونصف وأن يتقدموا باعتذار علني وموثق للمجلس العسكري على اتهامه بالتواطؤ مع النائب العام لإبقائه في منصبه رغم أنف الثورة وأولويات مطالبها، وعلى حمدين والبرادعى وأحمد بهاء شعبان وكل ائتلافات الثورة الصغيرة والكبيرة أن تقدم اعتذارها للوطن كله مشفوعًا بالندم على كل ما تقدم، وعلى حمدين والبرادعي وجميع فصائل الثورة أن يتقدموا باعتذار واضح وصريح للرئيس محمد مرسي لأنهم طالبوه مرارًا وتكرارًا ـ باسم الثورة والقرارات الثورية ـ أن يعزل النائب العام، فلما استجاب لمطلبهم باعوه في أول رصيف للدجل والانتهازية السياسية، باسم المحافظة على استقلال القضاء، لقد نسي الجميع فجأة أو تناسوا أن النائب العام كان أداة مبارك لتأديب المعارضين وترسيخ دعائم حكمه وحمايته وحماية الفساد العريض الذي لم يعرض على أي محكمة إلا بعد كسر مبارك ونظامه، وأقسم بالله غير حانث، لو أن موقعة الجمل نجحت أو انكسرت الثورة لكانت قرارات عبد المجيد محمود تصدر بالجملة بالقبض على قيادات الثورة وشبابها ورموزها لتعليقهم على المشانق أو قضاء ما تبقى لهم من عمر خلف أبواب الزنازين لأنهم تمردوا على مبارك وهددوا نظامه، كما فعل في الذين من قبل على مر سنوات عمره التي قضاها في نيابات أمن الدولة، عبد المجيد محمود جزء لا يتجزأ من نظام مبارك القمعي والفاسد، ولو أن مصر كانت تعرف نائبًا عامًا مستقلاً فعلاً وقضاءً مستقلا لما كانت هناك حاجة للثورة أساسًا، وإنما قامت الثورة لأن العدل ضاع والنظام أفسد كل مؤسساته وأصبح يتلاعب بها ويصدر أفسد ما فيها، الآن نسي البعض كل ذلك، ويريد أن يتخذ عبد المجيد محمود جزءًا من معركة سياسية ضد الإخوان أو حزب الحرية والعدالة أو ضد الرئيس محمد مرسي، والحديث عن استقلال القضاء في حالة النائب العام محض نفاق سياسي مفضوح، هي معركة سياسية بالمقام الأول، وهي تضر في النهاية بالقضاء والعدالة وقدسيتها، عبد المجيد محمود دخل في صراع سياسي واضح مع أحزاب وشخصيات وقوى سياسية الآن وحتى من داخل القضاء والحكومة، وتقمص دور المناضل السياسي وأنه سوف يستشهد في سبيل بقائه في منصبه، والتف حوله الفلول من المحامين والقضاة، والصور شاهدة، واتهم حزب الحرية والعدالة ـ أكبر الأحزاب ـ بتهديده والرغبة في عزله والنيل منه، واتهم وزير العدل بأنه هدده كما اتهمه بالكذب، واتهم رئيس مجلس القضاء الأعلى سابقا بأنه لوح له بالتهديد بالقتل، كيف يمكن لهذا الشخص بعد ذلك أن يدير ملفات العدالة بنزاهة وحيادية، كيف يثق أحد من المنتمين إلى القوى السياسية التي دخل معها في خصومة في أن يكون نزيهًا ومحايدًا إذا عرضت عليه خصومة هو طرفها، وقد أصبح خصمًا سياسيًا من الأساس، عبد المجيد محمود صمت عشر ساعات كاملة بعد إعلان قرار رئيس الجمهورية بتوليه منصب سفير الفاتيكان، قبل أن ينتفض ويعقد مؤتمرات صحفية لرفض القرار، ولو كان الأمر مسألة مبدأ لخرج إلى الرأي العام في الساعة الأولى ليرفض ويحتج، ولكن بقاءه كل هذه المدة يعني أنه كان موافقاً بالفعل على العرض قبل أن يشير عليه آخرون بغير ذلك أو قبل أن يدخل الفزع على قلبه من البلاغات التي طالبت بالتحقيق معه ومحاكمته، لا داعي لادعائه الفروسية والبطولة، هو قبل المبدأ لكن الخلاف كان على المكان، في الإمارات أم في الفاتيكان، وأما فاصل التهريج الذي قدمه المستشار أحمد الزند بعبارات لا تليق إلا بقعدات القهاوي وليس بالقضاة وشيوخهم وخفة منظره وهيئته وهو يقبل النائب العام على طريقة ما يحدث في أفراح الأحياء الشعبية، وحديثه عن "الأسد" الذي عاد إلى عرينه، فهو منطقي، لأن عزل عبد المجيد محمود كان سيعقبه فتح ملفات فساد متهم فيها الزند، وأهمها ملف استيلائه على مائتين وخمسين فداناً في "الحمام" والموثقة في البلاغ رقم 10797 لـسنة 2012 عرائض النائب العام، حيث أصر النائب العام على التحقيق فيه من خلال نيابات الإسكندرية رغم طعن صاحب البلاغ بأن علاقات تربط الزند بنيابات الإسكندرية وبالتالي فالتحقيق لن يكون عادلاً، وطلبه أن ينتدب وزير العدل قاضيا للتحقيق، فرفض عبد المجيد محمود ذلك، فانتهى الملف إلى الحفظ في الأدراج وأن الأرض التي اغتصبها أحمد الزند هو وصهره من الأهالي وطردهم من بيوتهم التي أقاموا فيها ستين عاما، واعتقال من اعترض منهم وتلفيق قضايا للباقين، هي حلال بلال ، طبعا لا بد أن يكون "أسدا" يا زند.

 

المصدر/ المصريون