زيارة هولاند للسنغال.. طي صفحة قديمة أم استعمار جديد ؟!
29 ذو القعدة 1433
تقرير إخباري ـ إيمان الشرقاوي

انتهت زيارة الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند قبل يومين إلى العاصمة السنغالية داكار والتي كانت أولى محطات جولته في عدد من الدول الإفريقية، وكله أمل في أن يكون قد نجح في محو آثار سلفه نيكولا ساركوزي وبدء صفحة جديدة مع القارة السمراء الغنية بالثروات فضلا عن تعزيز موقف فرنسا الداعم لتدخل عسكري في مالي.

وقبل وخلال زيارة هولاند للسنغال التي تعتبر أول جولة له في إفريقيا منذ فوزه في انتخابات الرئاسة الفرنسية في مايو الماضي، أخذ هولاند يؤكد تارة على أن زيارته تهدف لكتابة صفحة جديدة من العلاقات بين فرنسا والدول الإفريقية، ويتعهد تارة أخرى بشراكة متجددة بين فرنسا وإفريقيا تقوم على مبادئ "الاحترام والتضامن والصراحة"، بحد قوله.

ويعتبر اختيار السنغال لتكون المحطة الأفريقية الأولى لهولاند تقليدا دأب عليه الرؤساء الفرنسيون في زياراتهم لأفريقيا بعد انتخابهم، على اعتبار أن السنغال من أقدم الدول الديمقراطية في القارة السمراء ومن أكثرها استقرارا كما أنها تربطها بفرنسا علاقات قوية وطويلة الأمد.

وكان الرئيس الفرنسي قد وعد منذ بداية توليه السلطة أن يحدث قطيعة مع السياسة الفرنسية المتبعة تجاه القارة الأفريقية والمعروفة باسم "فرانس أفريك" أو " فرنسا الأفريقية"، والتي تشير إلى شبكات نفوذ معقدة تجمع بين السياسة والأعمال والتجارة التي كانت تقيمها القوة الاستعمارية السابقة مع عدد من الدول الأفريقية.

ويبدو أن هولاند كان حريصا على أنه سينفذ سياسة جديدة تتواكب مع النمو القوي والسريع سواء على الصعيد الاقتصادي أو في مجال الديمقراطية للدول الإفريقية في الوقت الحالي من خلال تأكيده على انتهاج سياسة جديدة إزاء القارة السمراء تقوم على الشفافية في العلاقات الاقتصادية والتجارية، واليقظة إزاء تطبيق القواعد الديمقراطية.

ويتمتع هولاند على المستوى الإفريقي بدعم قوي من عدد كبير من المواطنين الأفارقة وهو الأمر الذي تجلى بعد فوزه في انتخابات الرئاسة حيث احتفلت العديد من المدن الفرانكفونية في إفريقيا بهذا الفوز معبرة عن آمالها في أن يحدث انتخاب هولاند تغيرا في السياسات الفرنسية إزاء القارة السمراء، خاصة في ظل اعتقاد قوي بأن حكم اليسار أفضل في سياساته من حكم اليمين خاصة تجاه بلدانهم وهو ما يبرر ازدياد الترحيب بفوز هولاند وانتهاء حكم ساركوزي اليميني.

وكانت السنغال أيضا أول دولة يزورها ساركوزي خلال أول جولة إفريقية له بعد توليه رئاسة فرنسا منذ نحو خمس سنوات، وقد تسبب خطابه هناك عام 2007 في إغضاب من كانوا حاضرين للاستماع إليه لدرجة أن العديد منهم قام من مكانه وترك القاعة، وذلك بعد أن قال إن "الإفريقي لم يدخل التاريخ بعد".

كما يرجع حرص فرنسا الآن على مراجعة علاقاتها مع إفريقيا إلى تنامي النفوذ الأمريكي و الصيني في القارة السمراء في مقابل الانتكاسة التي تعرضت لها الاستثمارات والعلاقات الاقتصادية والتجارية الفرنسية خلال عهد ساركوزي، حيث انخفضت الاستثمارات الفرنسية في أفريقيا جنوب الصحراء من جهة ومساهمة البنوك الفرنسية في النظام البنكي الغرب أفريقي من 80% إلى 33% من جهة أخرى كما عرفت الصادرات حول المنطقة انخفاضا ملحوظا.

 ومنذ بداية تسعينات القرن الماضي سعت فرنسا لاعتماد استراتيجية جديدة تتواءم مع المستجدات التي طرأت على القارة الأفريقية وذلك لضمان تحقيق مصالحها الاقتصادية والاستراتيجية والسياسية. وتتمثل المصالح الاقتصادية في البحث عن سواق لتصريف السلع الفرنسية المصنعة، وعن موارد أولية لتنمية الصناعات الفرنسية المدنية.

ولازالت فرنسا هي المستورد الأول للمواد الخام والمصدر الأول للسلع المصنعة في بعض الدول الفرانكفونية، أما المصالح الاستراتيجية؛ فتتمثل في الوصول إلى الموارد الطبيعية الاستراتيجية التي تملكها القارة لتنمية الصناعات الثقيلة الفرنسية، والسيطرة على المواقع الاستراتيجية في بعض الدول الإفريقية.

 وهناك أيضا مصالح سياسية ودبلوماسية، وتتمثل في الحفاظ على استقرار الأنظمة الإفريقية، والاستفادة من العلاقات القوية بين فرنسا والدول الأفريقية في ضمان المساندة الدبلوماسية الأفريقية لها في منظمة الأمم المتحدة بما يسمح لها بالاحتفاظ بمكانتها بصفتها دولة كبرى دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي.

زيارة هولاند كان لها هدف آخر يتعلق بشمال مالي حيث تحشد فرنسا الدول المجاورة والغربية من أجل عمل عسكري في البلد الذي يرزح بحد قوله "تحت الإرهاب وتفشي تهريب السلاح والمخدرات".

ويرى مراقبون أن هولاند اختار السنغال في أول زيارة له للقارة الإفريقية كي يعتمد أوراقه فى القارة السمراء، لأنه من المتوقع أن تلعب السنغال دورا محوريا حال قيام تدخل عسكري في مالي المجاورة بهدف طرد الإسلاميين المسيطرين على شمال البلاد.

وفي النهاية لا يمكن أن تنسى فرنسا مستعمراتها القديمة التي تنمو وتزدهر ويزداد أهميتها فعليها فتح صفحة جديدة لإعادة العلاقات ومنافسة القوى الأخرى وبأي شكل حتى لو كان في شكل استعمار جديد لكنه مختلف قليلا.