أنت هنا

هذه هي "مدنية" مصر الحقيقية
28 رمضان 1433
موقع المسلم

إثر خلع مبارك، بدأ الترويج لفكرة مدنية الدولة تأخذ وتيرة تصاعدية من قبل أطراف علمانية، حاولت بإصرار تمرير مصطلح "مدنية الدولة" كبديل معولب ومصطنع لاستغفال الشعوب لقبول العلمانية التي تبغضها كافة الشرائح المسلمة في الأوطان العربية.
والقصة معروفة؛ فحيث بدأت الثورات العربية تأخذ مسارها، تحول كثيرون من الليبراليين واليساريين من المطالبة بعلمانية الدولة إلى "مدنيتها" وقد بدا الأمر "دوليا"، حيث أجمع هؤلاء على صك هذا المصطلح المطاط للتعبير عن فصل الدين عن الدولة،وقد تنبه "الإسلاميون" مبكراً لهذا التزييف وتجيير المصطلح باتجاه لا يعبر عن حقيقته المضادة لعسكرة الدولة وحكمها بواسطة الجنرالات.

 

في وقت مبكر قبل عام ونصف، وضع الإخوان المسلمون لافتات في الطرقات تدعو إلى المدنية المنافية للعسكرية.. أرادوا بذلك إعادة المصطلح المسروق لأصله الطبيعي، ثم عمدوا إلى تخطيط متدرج لنزع السلطات من يد العسكر، ونجحوا إلى حد كبير هذا الأسبوع في تحقيق ذلك.

 

وحينما أُعلنت قرارات الرئيس مرسي الثورية التي قوضت سلطات المجلس العسكري الذي كان الحاكم الفعلي للبلاد،افترق الناس في تفسير هذه الخطوة وما إذا كانت توافقية مع رئيس المجلس العسكري السابق المشير حسين طنطاوي وأركان نظامه، أم أنها حظيت بتأييد مسبق من بعض أعضاء المجلس، وفي غياب معلومات مؤكدة فإن بعض المحللين انتقل إلى النقطة الجوهرية في القضية، وهو ما إذا كان هذا الزلزال المدوي قد أنهى السلطة العسكرية في مصر أم أنه اكتفى بتحجيمها نوعا ما.

 

وغالب الظن أن الحضور الكبير للمؤسسة العسكرية المصرية ما زال له تأثيره في مصر، إلا أن هذا التأثير سينكمش إلى حدود بعض الملفات الخارجية وبعض النفوذ في الحياة المدنية، من دون أن يتغول أكثر من ذلك، ويتسلل إلى مركز صناعة القرار السيادي والرئاسي في مصر.

 

وأيا ما كان التفسير حول الإطاحة بكبار القادة العسكريين؛ فإن أي سيناريو سيفضي إلى الاعتقاد أن تفاهماً قد تم، يقضي بموجبه أن تظل المؤسسة العسكرية المصرية ممسكة ببعض الملفات الخارجية، وهذا في حد ذاته تراجع مقبول في تلك المرحلة يضمن إلى حد ما تحقيق مدنية الدولة المصرية بمعناها الحقيقي.

 

ومهما كان التفسير؛ فإن الرئيس مرسي قد باغت الجميع باختراق تاريخي سيكون له تأثيره البالغ ـ بإذن الله ـ على مسار مشروع النهضة، وعلى صعيد الحريات، والاستقلال السياسي والاقتصادي المصري.

 

وفي العاصمة المصرية بدأ الجميع يدرك أن رئيس مصر قد صار وحده صاحب السلطة العليا في مصر، وأنه مهما تنحى التحليلات، فلا يمكن تجاهل أن مصر قد باتت في نقطة تحول أساسية في تاريخها، وأن على قادتها الجدد أن ينتهزوا هذه الفرصة في تثبيت أركان الدولة المصرية بهويتها الأصيلة، ويفككوا سريعاً كل "خلايا الفلول" و"الغرب" النائمة والمستيقظة في أقرب فرصة، والاستفادة من تجارب إقليمية رائدة في هذا المضمار، بحيث تتجنب البلاد أي مطبات قد يضعها أنصار النظام السابق في طريق انطلاقتها.