أجمع السوريون وسائر المراقبين المنصفين للوضع في سوريا، أجمعوا على أن انشقاق رئيس الوزراء السوري رياض حجاب، هو صفعة شديدة القسوة تلقاها نظام العصابات الأسدية المجرمة، بل إنه أشد لطمة بين لطمات عديدة سددها أبطال الجيش السوري الحر لعصابة القتلة المدعومة بشراسة من الحلف المجوسي الجديد وروسيا والصين، في حين لا يوجد نصير للشعب السوري سوى الله تعالى وكفى به وليّاً ونصيراً.
كما اتفق الجميع على الإعجاب بعملية إخراجه وعائلته من بين براثن أجهزة القمع الأسدية الرهيبة، فالعملية تُعَدّ من البطولات التي تُحْسَبُ للجيش السوري الحر وهي بطولات رائعة تكاثرت شواهدها الباهرة بخاصة في الفترة الأخيرة، ابتداء بتفجير كبار المجرمين من أعوان النظام في "خلية إدارة الأزمة"، وما تلاها من إذلال جيش النظام في دمشق –العاصمة السياسية والإدارية-وحلب-العاصمة الاقتصادية-....
غير أن نقطة الإجماع تلك سرعان ما يبددها الجدل العقيم بين المعارضين في الخارج حول الخطوة الجريئة التي أقدم عليها حجاب، وبخاصة أنه من أبناء النظام بتاريخه السياسي والوظيفي، والذي انتهى بتعيينه رئيساً للحكومة منذ شهرين لا أكثر!!
والحقيقة أن المماحكات البيزنطية حول المنشقين عن النظام في الفترة الأخيرة، باتت ظاهرة مؤسفة، وإن كانت قد بلغت قاع الإسفاف مع انشقاق حجاب بحكم موقعه " الرفيع" فهو –من الناحية النظرية- الشخص الثاني في هرم السلطة.
ويخطئ كثيراً من تغيب عنه الخلفية الحقيقية لهذه المجادلات التي تؤذي الثوار في الداخل، فهي جزء من المناكفات العبثية بين شتات المعارضة في الخارج، والتي يزداد التناحر بينها كلما ازدادت بوادر سقوط النظام، وكأنهم يتصارعون على جلد الدب قبل اصطياده.
وفي سوق المعارضة هذه يختلط الحابل بالنابل وتكاد تضيع ملامح الشرفاء من المتسلقين، الأمر الذي استفز المقاتلين الأحرار في الداخل فاضطروا إلى التعبير عن سخطهم من هذه المهارشات البائسة، وإلى تحذير الجميع وتذكيرهم بأن القول الفصل حتى في تحديد معالم المرحلة الانتقالية هو حق حصري للمرابطين على الأرض، الذين يبذلون أرواحهم ودماءهم لإنقاذ شعبهم من قبضة الطاغية المأجور!!
أما في مسائل الانشقاقات فمن حيث المبدأ لا يحق لأحد محاكمة أحد على النيات، التي استأثر الحق سبحانه بعلمها.ومن الوجهة السياسية الحكيمة -انطلاقاً من مبدأ جلب المصالح ودرء المفاسِد-ينبغي تشجيع القادة السياسيين والعسكريين على الانشقاق عن نظام بشار، بدلاً من استقبالهم بالتشكيك غير المعقول.
وإذا نظرنا في سيرة سيد ولد آدم نلاحظ أن خالد بن الوليد رضي الله عنه كان في غزوة أُحُد من القادة البارزين في جيش المشركين، لكنه أصبح بعد إسلامه سيفاً سلّه الله على المشركين مثلما وصفه النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم..
وبخصوص حالة رياض حجاب تحديداً، يجب التنبه إلى أن الرجل جازف بحياته عندما قرر الانحياز إلى الشعب، وكان في مقدوره الهروب من سوريا وطلب اللجوء السياسي من دون أن يلتحق بالثورة فكيف يجيز البعض لأنفسهم وصفه بأنه هرب من سفينة تغرق؟ ولماذا لم ينشق-مثلاً- واحد مثل فاروق الشرع؟
وأما المحاسبة الآن لكل من ينشق على ماضيه فهو غير مشروع بالإضافة إلى أنه سوف يقلص من ظاهرة انشقاق كبار الأعوان، وهذا يفوّت مصلحة للثورة لا ريب فيها.ففي معالجة المفسدين في الأرض الذين ينطبق عليهم حد الحرابة، استثنى المولى عز وجل الذين يتوبون من قبل إلقاء القبض عليهم، فقال سبحانه في سورة المائدة: {إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ (33) إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (34)}