ضياع الفرصة الأخيرة للنظام الجزائري
28 جمادى الثانية 1433
تقرير إخباري ـ خالد مصطفى

الانتخابات الاخيرة التي شهدتها الجزائر أكدت أن الانظمة المتسلطة لا يمكن أن تخضع للتغيير السلمي بدون ضغط شعبي كما حدث في مصر وتونس واليمن وليبيا, وأن هذه الانظمة اعتادت على الخداع وأدمنت السلطة ولا تتعلم من أي دروس ماثلة امامها مهما بلغت قساوتها؛ فلقد أوهمت السلطة الشعب أنه بالإمكان أن يحدث تحولا في البلاد بدون ثورة عن طريق انتخابات "حرة" ودعت الشعب للنزول لإبداء رأيه ثم نفذت ما أرادت وزورت الانتخابات تحت سمع وبصر المراقبين الغربيين الذين تحدثوا زورا وبهتانا عن مخالفات "محدودة" وباركوا عملية النصب التي أسمتها السلطات انتخابات وأداروا ظهورهم لشكاوى أحزاب المعارضة في نسخة مكررة مما حدث في مصر قبل الثورة عندما استخف نظام مبارك بالشعب وأجرى مسرحية هزلية أخرج من خلالها جميع قوى المعارضة من البرلمان لينفرد الحزب الحاكم بعمليات السلب والنهب والتجريف المستمرة منذ عشرات السنين فما كان من الشعب إلا أن خرج منتفضا وثائرا لينقذ البقية الباقية من ثروات البلاد..

 

قبل الانتخابات أكدت الحكومة عدم فوز الاسلاميين وأن الجزائر لن تشهد ما شهدته بلدان مجاورة وصل فيها الاسلاميون للحكم وأصرت على استمرار حظر جبهة الانقاذ الاسلامية وعناصرها ومنعهم من الدخول في المعترك السياسي رغم قانون المصالحة التي أقرته لإعادة الهدوء للبلاد ورغم الظلم الذي تعرضت له الجبهة بعد الغاء انتخابات 1992 التي فازت بها ..الرئيس الجزائري في محاولة منه لامتصاص الغضب الشعبي أعلن عن اجراء تحقيق وطبعا وكما يحدث دائما سينتهي التحقيق لاقرار الامر الواقع أو قريب منه وسيكون التحقيق تأكيد "لنزاهة العملية الانتخابية" ..

 

هذه الألاعيب المكشوفة في وطن يعاني من ازمات متلاحقة وشعب كان البادئ في محاولة تغيير أوضاع الحكم المتردية في المنطقة لن تثمر عما يطمح إليه النظام المتداعي الذي يظن أن مساندة الغرب ستكون عامل الحسم عند حدوث مواجهات, متجاهلا أن الانتفاضة الشعبية العامة ستجبر الجميع على تغيير مواقفه خصوصا إذا كانت مبنية على مصالح مثلما هو الحال بالنسبة للغرب مع بلد مثل الجزائر تعد أحد مصادر الطاقة الرئيسية لعدد من الدول الغربية القريبة, وهو ما عبر عنه صراحة وزير الخارجية الاسباني عندما أكد ارتياحه لما أسماه "هزيمة الإسلاميين" في الانتخابات حفاظا على مصالح بلاده...الجزائر تعيش على صفيح ساخن فتنظيم القاعدة يكثف هجماته والدولة تستعين بأمريكا لمواجهته والشعب يغلي تحت وطأة تردي الاوضاع الاقتصادية وانتشار الفساد والمحسوبية وتصاعد معدلات البطالة في بلد تتمتع بثروات طبيعية كبيرة تتيح لسكانها مستوى معيشة جيد..اختار الشعب منذ 20 عاما الإسلاميين وبعد مرور هذا الوقت والاحباط والاضرابات والمظاهرات التي تشهدها البلاد بالمئات تاتي انتخابات مثل هذه ليختار الشعب مرة أخرى جلاده... هل يصدق هذا الكلام عاقل؟ ..

 

يتشدق البعض بالانفلات والاضطرابات التي أعقبت الثورات في بلاد الربيع العربي متناسيا أنها تحدث نتيجة لمؤامرات فلول الانظمة السابقة والتي تخشى على ثرواتها من الضياع وعلى استعداد لانفاق نصفها أو أكثر لعدم نجاح هذه الثورات, كما أن الشعوب التي عاشت تحت القهر والظلم لعقود عديدة لم تتعلم كيف تحكم نفسها بعد وتحتاج لبعض الوقت شريطة أن يبتعد المزايدون والعملاء وأصحاب الاجندات الخاصة وعلى كل الاحوال فقد أعطوا دروسا للحكام القادمين لكي يعتبروا بما حدث لأسلافهم....

 

الجزائر كانت تستحق بعد سنوات العنف والغضب وعشرات الآلاف من القتلى أن تحترم إرادة شعبها وأن يتمكن من اختيار حكامه بشكل سلمي ولكن وبعد هذه المهزلة فرضت السلطة على الشعب التغيير بطريقته وفرض إرادته كما فعلت شعوب مجاورة, وهو أمر قد يتطور بشكل عنيف في بلد مثل الجزائر.