أنت هنا

انتخابات الجزائر في مناخ دولي جديد
18 جمادى الثانية 1433
موقع المسلم

بعد أكثر من عقدين على أول انتخابات برلمانية جزائرية نزيهة، يتوجه الناخبون الجزائريون لانتخاب نوابهم الجدد في ظل أجواء مفعمة بالترقب والأمل.

بين العقدين اختلاف كبير؛ فقد جرت الأولى تحت ضغط الشارع، وفي ظل تراجع اقتصادي ملموس، بينما تهب الرياح على الثانية من الخارج في ربيع أراد ألا يستثني دولة من الشمال الإفريقي على كدر.

تبدو ثمة خروقات وإجراءات انتخابية غير كاملة في الجزائر، واحتمالات تزوير واردة، غير أن الجنرالات هذه المرة يدركون جيداً صعوبة التعامل الصادم مع متطلبات الشباب الجزائري الطموحة.

الحسابات اليوم مختلفة؛ فإلى الشمال، ليس فرانسوا ميتران الذي سيقول متحدياً إنه غير مستعد لقبول دولة "أصولية" إسلامية في الجنوب، وإنما فرانسوا هولاند الذي جلس على كرسي الرئاسة في قصر الإليزيه بباريس بمساندة من الجالية الإسلامية، حيث لعب المسلمون دوراً رئيساً في إسقاط منافسه المتطرف نيكولاي ساركوزي، وبات على هولاند أن يفهم التطور الواجب في علاقة البلدين.

ليس الظرف الإقليمي حول الجزائر في نطاقه العربي وحده الذي تغير، فالفرنسيون اليوم يعرفون أن الجزائر التي تملك الآن احتياطاً نقدياً يبلغ نحو مائتي مليار دولار، رغم عدم انعكاس ذلك كثيراً على المواطن الجزائري الذي ربما يفجر ثورة إن تعامل النظام مع طموحاته السياسية والاقتصادية برعونة، ليست كجزائر الشاذلي بن جديد، وأن فرنسا الصاعدة بالأمس لا تطابق الوضع ذاته اليوم، وأن الاقتصاد صار المحرك الأول في السياسة الأوروبية عموماً، والفرنسية خصوصاً، مع ظروف اقتصادية ضاغطة على القارة العجوز.

فرنسا التي أضحت على أعتاب أزمة اقتصادية تدرك أن المعادلة مع الجزائر لم تكن كتلك التي صاغتها منذ عقود، والجزائر التي طلب إليها صندوق النقد الدولي المساهمة في إقراض الدول الأخرى أخذت تفكر في رسم مستقبل جديد لها، وباريس التي قبلت التعاون مع كتائب نظام ثوري بدت عليها سيماء "الأصولية" في ليبيا بدأت تغلب البراجماتية على الأيديولوجية، وهي الآن أقل مقاومة لنظام جديد في الجزائر يتشارك فيه "الإسلاميون" والعلمانيون الحكم، وهي أكثر تقبلاً لنظام اقتصادي واعد ومستقر في الجنوب منها إلى القلق من نظام مضطرب يجلب إليها مشكلات ليس آخرها حوادث الضواحي في المدن الفرنسية.

وواشنطن التي ساندت الجنرالات في تفويت الفرصة على الإنقاذ لحكم الجزائر قبل عقدين، تفهم أن خلفاء "المناضلين الإسلاميين"، ليسوا كأسلافهم، وأن إنتاج أحزاب "إسلامية معتدلة" ومستعدة للتعايش مع شركاء من التيارات الأخرى، وغير ممانعة في تحقيق شراكة مع الغرب و"تفهم" مصالحه في الشمال الإفريقي، وإحلالها مكان تياري السلف والجزأرة في الجزائر، الذي لا يخلو الأول ـ في تقديره ـ من "التشدد"، والثاني من "الثورية" غير المنضبطة بالقواعد الدولية والأعراف الغربية، يمكن به لهؤلاء أن يجدوا طريقهم للسلطة المقيدة في الجزائر، كما أن ما نجم عن العشرية الحمراء من خيبة أمل وظن في مجمل "الإسلاميين" لدى البعض في الجزائر، سواء أكانت طائفة من "الإسلاميين" مسؤولة بشكل مباشر أو غير مباشر عن ذلك الشعور، يتيح لفكرة "التعايش"، و"السلطة المقيدة" قدراً أكبر من القبول مع احتمالات تقدم "منضبط الإيقاع" لـ"الإسلاميين" في نتائج الانتخابات لا يقفز بهم إلى سلطة مطلقة وأغلبية كاسحة (مثلما كان الحال قبل عقدين)، وعليه؛ فإن فكرة "التعايش" تجد كثيراً من النقاط في صالحها.

الغرب يفهم جيداً ما حل بالمنطقة، وربما شارك بشكل أو بآخر في تغييره، وهو لذلك مستعد لما لم يكن مستعداً له في الماضي، لاسيما أن بلداناً أكثر قرباً من "الكيان الصهيوني"، قد سمح فيها لـ"الإسلاميين" بشيء من تقاسم السلطة.

الجزائر مع كل هذا ماضية في طريق، لكن جميع جيرانها الأوروبيين يتحسبون مع محفزات للتقارب من قرب هذا البلد الإسلامي من أراضيهم، ويحدوهم التاريخ أن يكونوا أكثر حذراً من بلد الداي القوي وملوك البحر الأشاوس، الذي كان يوماً ما يتوفر على أحد أكثر الأساطيل البحرية قوة في العالم؛ ولذا فلا بأس من فسحة الأمل، وحذر من الجيران..