فرص الإسلاميين في الانتخابات الجزائرية
12 جمادى الثانية 1433
تقرير إخباري ـ نسيبة داود

منذ هبت نسمات الربيع على العالم العربي انطلاقا من الثورة التونسية، والإسلاميون ينتقلون من نجاح انتخابي إلى آخر بشكل أقلق كثيرا الغرب و"إسرائيل". فقد فازوا بالأغلبية في انتخابات المجلس التأسيسي في تونس وكذلك في الانتخابات التشريعية بالمغرب وتمكنوا من تشكيل الحكومة، كما أحرزوا أفضل النتائج في الانتخابات البرلمانية المصرية وهم على أعتاب خوض الانتخابات الرئاسية ولهم أقوى مرشحين في السباق.

 

أما في الجزائر، ذات الوضع الفريد والتي تمكن نظامها من الإفلات من رياح التغيير، فينظر الإسلاميون بقلق إلى الاستحقاق الانتخابي المرتقب هذا الشهر إذ يخوضون الانتخابات بصف ممزق بين ستة فرق محسوبة على التيار الإسلامي وغالبها ينحدر من مدرسة الإخوان المسلمين. لكن ما يقلقهم أكثر هي حملة المقاطعة أو العزوف عن التصويت في تلك الانتخابات التي تعتبر الأولى التي تجرى في الجزائر في ظل الربيع العربي.

 

بعض التشكيلات الإسلامية في الجزائر له تاريخ عريق وبعضها يعد من الأحزاب الناشئة التي سمحت بها الحكومة تحت وطأة الربيع العربي الذي وصلت شرارته إلى الجزائر حتى قبيل اندلاع الثورة التونسية. ومن أقدم الأحزاب وأعرقها؛ "حركة مجتمع السلم" (حمس) التي يتزعمها أبو جرة سلطاني والتي تمثل التيار الإخواني الرئيسي. وهي الحركة التي خرج من رحمها حزب "جبهة التغيير" الذي يتزعمه عبدالمجيد مناصرة، بعد أن انشق هو وعدد من مؤيديه عن "حمس" بعد صراع طويل شق صف الإخوان بسبب مشاركة حمس في تحالف رئاسي قبل ثماني سنوات.

 

ومن بين الحركات الإسلامية المتنافسة كذلك "حركة النهضة" التي يقودها الآن فاتح ربيعي، وهي الحركة التي خرج منها حزب "حركة الإصلاح الوطني" التي يقودها حملاوي عكوشي. ومن حركة الإصلاح تكون تياران فكريان منفصلان هما "جبهة العدالة والتنمية" بقيادة سعد عبدالله جاب الله و"جبهة الجزائر الجديدة" التي أسسها جمال عبد السلام.
ووجدت تلك الحركات الجديدة طريقها للاعتراف الرسمي بعد انطلاق الربيع العربي إذ سمحت الحكومة الجزائرية بترخيص هذه الأحزاب ما أهلها لخوض السباق الانتخابي.

 

والحركة الأبرز بين هذه التيارات الإسلامية هي "حمس" إذ لها خبرة في المشاركة في السلطة ولها 4 وزراء في الحكومة وتعتبرها بقية التيارات الإسلامية وافدة على فريق المعارضة الإسلامية. كما تتوجس المعارضة من قرار "حمس" الخروج التحالف الرئاسي الذي جمعها لسنوات مع حـــزبي السلطة؛ جبهة التحرير الــوطني والتجمع الوطني الديموقراطي، ودخولها مباشرة في تحالف جديد مع "حركة النهضة" وحركة "الإصلاح"، وشخصيات مستقلة، في إطار "تكتل الجزائر الخضراء".

 

وقد دأبت "حمس" على ممارسة ما يشبه الرقابة الذاتية على انتقاداتها لمنظومة الحكم خاصة إذا تعلق الأمر بالرئيس عبد العزيز بوتفليقة، لكنها تتبنى خطابا أشد عندما يتعلق الأمر ببقية مفاصل الدولة.

 

وفي ظل هذه المعطيات يبقى التحالف الإسلامي هشا غير متماسك، حتى وإن نجح الإسلاميون مجتمعون في الفوز بأغلبية في البرلمان فإن فرص تكوين حكومة ائتلاف متماسكة تظل ضعيفة، وهو ما ينذر بالعودة إلى نموذج عام 1991 عندما تفرق الإسلاميون وأصرت جبهة الإنقاذ الإسلامية على الانفراد بالمشهد الإسلامي ورفضت الانخراط في تحالف مع جبهات أخرى، وهو ما سهل انقلاب الجيش على نتائج الانتخابات فيما بعد.

 

يذكر أن الإسلاميين فازوا في آخر انتخابات تشريعية جرت في 2007 ب 59 مقعداً من بين 389 . ويأملون في الفوز بالانتخابات المقبلة التي يتنافس فيه 44 حزباً بأغلبية المقاعد التي ارتفع عددها إلى 462 بفعل تزايد عدد السكان خلال الخمس سنوات الماضية . لكنهم في ذات الوقت يتخوفون من ألا يحققوا نتائج مشرفة على غرار إسلاميي تونس والمغرب ومصر.

 

وشكا كثير من منظمي الحملات الدعائية لتكتل الجزائر الخضراء من ضعف إقبال المواطنين على تجمعاتهم الانتخابية حتى في مدن تعتبر من معاقل الإسلاميين.

 

ويرجع هذا الفتور إلى عدم تمكن الأحزاب الإسلامية من ملامسة احتياجات المواطنين في برامجهم الانتخابية إلى جانب انتشار دعوات المقاطعة للانتخابات في عدة أوساط إسلامية.

 

وكان الداعية الإسلامي الجزائري المقيم في ألمانيا رابح كبير المنتمي لحزب جبهة الإنقاذ المحظور قد دعا إلى مقاطعة الانتخابات قائلا إن السلطات الجزائرية لا تملك نية حقيقة في تنظيم انتخابات حرة ونزيهة. وتتفق هذه التصريحات مع دعوة قيادي الجبهة عباس مدني المقيم في قطر إلى "العزوف الانتخابي".

 

لكن هذه الفتوى تختلف مع فتوى للشيخ شمس الدين بوروبي الذي اعتبر أن المشاركة في الانتخابات "واجب ديني"، واعتبر أنها "شهادة, والله أمرنا بعدم كتمان الشهادة".

 

لكن يبدو أن الكثيرين يميلون لاتجاه العزوف الانتخابي حيث انتشرت حوادث تمزيق لافتات الدعاية الانتخابية، كما تصاعدت الحملات الأمنية التي تترصد لمن يمزقون الدعايات الانتخابية بدعوى تخريب الممتلكات والحض على العصيان.

 

ويشتكي نشطاء المقاطعة على صفحات شبكات التواصل الاجتماعي من التضييق الذي تمارسه السلطة على حقهم في التعبير السياسي الحر المنصوص عليه في الدستور. ويرى هؤلاء أن المقاطعة حق يجب أن يكفل ويحترم، ونددوا بالاعتقال الذي طال 25 شخصا مع بداية الحملة الانتخابية والمنتمين إلى "حركة الشباب المستقل من أجل التغيير" عندما كانوا بصدد القيام بمسيرة تدعو للمقاطعة.

 

ومؤخرا لجأ دعاة المقاطعة إلى موقع اليوتيوب وقاموا بحملة مصورة أطلقوا عليها اسم "احرق بطاقتك الانتخابية"، حيث استعرضوا مبرراتهم لمقاطعة الانتخابات.

 

وفي ظل هذا الزخم يبقى الجزائريون معقودي الأصابع في انتظار نتائج تلك الانتخابات التي لا شك أنها ستساهم في "تجميل" صورة بوتفليقة، مع تصاعد الآمال في حدوث تغيير حقيقي ينهي الكثير من ملفات الفساد.