هل وجود القاعدة ضرورى للبعض؟؟
23 ربيع الأول 1433
أسامة شحادة

لقد عانت أمتنا كثيراً من أفكار وسلوك تنظيم القاعدة وأصدقائه والتى تقوم على الغلو فى التكفير والإمعان فى القتل والتفجير، ولقد بذل العلماء والدعاة الكثير من الجهد والوقت لتصحيح ومعالجة هذا الخلل عند الشباب المتحمس، والذى ينساق خلف الشعارات البراقة والأفكار الثورية، التى تدغدغ مشاعر البطولة والتضحية لديهم.

وعقب الثورات العربية، والتى أطاحت بعدد من الأنظمة الطاغية فى مدة محدودة وبتكاتف شعبى عام وبأقل قدر من الخسائر، سقط فكر القاعدة ومنهجها الصدامى فى الشارع العربى والإسلامى.

وعقب الثورات العربية شارك كثير من التيارات الإسلامية بمسيرة العمل السياسى كطريق للإصلاح والبناء ومحاربة حالة الفساد السياسى والاقتصادى، ورغم كل ما عانوه فى عصور الكبت والاضطهاد وحملات التشويه الإعلامية الداخلية والخارجية إلا أن النتائج جاءت فى صالحهم، مما أزعج كثيراً من المخالفين من بقايا العهود السابقة والمنافسين الليبراليين واليساريين.

ولمحاولة إفراغ هذا الفوز من مضمونه أصبحت (اللعبة الديمقراطية) لا قوانين ثابتة لها بل "كلما أبلوا بلاءً حسناً، أعيدت كتابة قواعد اللعبة لاستبعادهم" كما رصد ذلك د. عمرو حمزاوى – الفائز مؤخراً بمقعد فى البرلمان المصرى – فى كتابه (الإسلاميون فى البرلمانات العربية، بالاشتراك مع وناثان ج. براون، ص 74)، والذى أصدره فى عام 2010.

والذى كتبه حمزاوى بصفته باحثاً فى مركز كارنيجى، يعاد تطبيقه أيضاً فى زمن الثورات العربية وكأن شيئاً لم يتغير، فبعد أن حسم الشعب المصرى خياره فى إجراء الانتخابات البرلمانية قبل كتابة الدستور وإقرار المادة الثانية المتعلقة بالشريعة الإسلامية حاول د. يحيى الجمل نائب رئيس الوزراء إفراغ قرار أغلبية الشعب المصرى عبر محاولة الالتفاف على المادة الثانية، والدعوة لمبادئ فوق دستورية، وحين فشل فى محاولته قام وريثه فى نيابة رئيس الوزراء د. على السلمى بمواصلة المحاولة عبر فرض وثيقة إلزامية استباقاً لنتائج الانتخابات، وحين فشلت محاولته أيضاً، تم محاولة نزع صلاحيات مجلس النواب من قِبل المجلس العسكرى عبر تصريحات لبعض أعضائه، مثل تصريح اللواء شاهين بعدم قدرة البرلمان المنتخب على تشكيل الحكومة القادمة وإنهاء حكومة الجنزورى، ومن ثم تصريح اللواء الملا بعدم صلاحية البرلمان لتشكيل لجنة وضع الدستور، وكان المجلس العسكرى من قبل قد ماطل كثيراً فى تحديد موعد تسليم السلطة للمدنيين، وبعد ضغط وإلحاح شعبى شديد أعلن عن تسليمه السلطة فى منتصف سنة 2012.

كما أن تصريحات الملياردير نجيب ساويرس المتتابعة بتمنى التدخل الأجنبى وانقلاب الجيش على الانتخابات دون محاسبة أو إنكار تدخل القلق فى قلوب الكثيرين من حقيقة اللعبة الديمقراطية الجارية.

هذا السلوك السياسى من قبل النخب العلمانية (يحيى الجمل، على السلمى، نجيب ساويرس) والمجلس العسكرى يعد أفضل هدية لتنظيم وفكر القاعدة، والذى يكاد يضمحل، فحقيقة هذه السياسات أن الديمقراطية ليس فيها مكان للإسلاميين مهما حاولوا التعاون والانفتاح على شركائهم فى البلاد، وأن الإسلاميين لا مكان لهم فى اللعبة السياسية مهما منحتهم الشعوب من غالبية وأصوات.

واللافت للنظر أن هذه السياسات لا تجد من ينكرها من الليبراليين واليساريين بقوة ووضوح فإن أقرت ولم يبطلها الإسلاميون مرت وأقرت وأقرت أعينهم، وإذا رفضها الإسلاميون قالوا رفضناها معكم!

ولذلك على هؤلاء الساسة أن يحددوا موقفهم: هل هم يرغبون بترسيخ منهج الإصلاح السياسى والتزام قواعد اللعبة الديمقراطية العادلة؟ أم البقاء فى المنطقة الرمادية وتأجيج العواطف باتجاه تأييد فكر القاعدة الذى يحتكم للقنابل بدلاً من الانتخابات؟

ولذلك فالمُطالب اليوم بتوضيح مواقفه هو التيار العلمانى بشقيه الليبرالى واليسارى: هل تقبلون بنتائج الصناديق؟ وهل تقبلون بوصول إسلامى لكرسى الرئاسة؟ وهل ستحترمون إرادة الشعب وتكفون عن طلب التدخل الخارجى فى الشئون الداخلية؟

الإجابات الواضحة والصريحة عن هذه الأسئلة هى التى ستنزع الفتيل من اشتعال موجة جديدة من فكر العنف والتكفير فى بلادنا.

وإلا كان ما يتردد فى أكثر من بلد من أن وجود تيار التطرف والعنف ضرورة سياسية لبقاء الحال على ما هو عليه حقيقة ثابتة على طريقة أطباء سجون جمال عبد الناصر الذين كانوا يعاينون المعتقلين لتقدير حجم التعذيب الإضافى الذى بوسعهم تحمله وكان شعارهم "قوت لا يموت"!! وهو ما يطبق اليوم من خلال إفراغ فوز الإسلاميين من محتواه عند كل مكسب يحققونه، لبث حالة عامة من الإحباط فى صفوفهم وصرفهم عن خيار المشاركة السلمية وإشعال جذوة التطرف فى نفوس بعضهم مما يعيد إنتاج حالة الفزاعة الإعلامية ويبدد مكتسبات الثورات العربية الحالمة بالاستقرار فى ظل الكرامة والعدالة والازدهار.

وهو الأمر الذى يتكرر فى العراق وسوريا واليمن، فأصبحت شماعة القاعدة حاضرة دوماً كحجة لاستبعاد السنة فى العراق من قبل المالكى باتهام نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمى – المرتد عند القاعدة بسبب مشاركته فى الحكم – المطارد اليوم بتهم دعم الإرهاب!!

ويقتل الآلاف من الشعب السورى على يد نظام الأسد بحجة محاولة القضاء على عصابات مسلحة متشددة!! وتوظف لذلك تصريحات عمر بكرى – الذى أنقذه حزب الله من السجن قبل شهور – بإرسال انتحاريين من القاعدة لسوريا أوبيتزا مفخخة لمجلس الشعب السورى، والتى سرعان ما نفاها.

وفى اليمن لا تكاد تنتهى حكاية للقاعدة هناك حتى يتم ظهور أخرى فى رسالة من النظام أو بقاياه لمن يهمهم الأمر أن القاعدة ستكون البديل عنه!!

وفى النهاية هل القاعدة أصبحت ضرورة لبقاء العلمانيين الذين لن تمنحهم صناديق الانتخاب الشرعية، والمستبدين الذين يأبون تجربة الاستفتاء الشعبى على بقائهم فى المشهد؟؟

 

- المصدر: صحيفة المصريون الإلكترونية