أردوغان بين طائفية المالكي والحسابات المغلوطة
5 ربيع الأول 1433
تقرير إخباري ـ خالد مصطفى

وقف رئيس الوزراء التركي رجب طيب ردوغان موقفا مشرفا في وجه رئيس الوزراء العراقي الشيعي نوري المالكي عندما حذره بوضوح من خطورة الحرب الطائفية التي يشعلها في العراق ومحاربته لأهل السنة, ونبهه إلى أن بلاده لن تقف مكتوفة الايدي مما يحدث..

 

هذا الموقف كان ينتظر أكثر من بعض الحكام العرب الذين تجمعهم بأهل السنة روابط أكبر مما تجمع أردوغان بهم كما أنهم يعانون أشد المعاناة من التدخل الايراني الطائفي في بلادهم ومع ذلك لم نسمع أي موقف بخصوص تصعيد المالكي لحربه ضد أهل السنة مؤخرا..

 

إن الحرب الطائفية ضد السنة في العراق قديمة فقد بدأت منذ أن وضع الاحتلال أول قدم له هناك بمساعدة إيران ورد لها الجميل بأن ترك لها حرية الحركة في العراق لتكون مليشيات مسلحة وأفسح المجال للشيعة ليسيطروا على مقاليد الحكم وتهميش السنة, في نفس الوقت شن حربا على السياسيين السنة بمختلف توجهاتهم بحجة أنهم تابعون لنظام صدام أو أنهم يدعمون المقاومة ويتحالفون مع تنظيم القاعدة وقد خالت هذه الادعاءات على الدول المحيطة بالعراق وتوجست خيفة من التدخل لدعم السنة حتى بدأ الاحتلال يرفع يده نسبيا عن العراق لتبدأ المرحلة الاخيرة في الحرب الطائفية والتي أطلقها المالكي بعد أن أصدر أمر اعتقال بحق نائب الرئيس السني طارق الهاشمي بزعم قيامه بتنفيذ هجمات مسلحة..

 

أردوغان أعلنها صريحة دون اعتبار لغضب إيران التي يرتبط معها بعلاقات قوية على الصعيد السياسي والاقتصادي ولكنه يضع دائما مصلحة بلاده أولا وهكذا فعل إبان الازمة مع الكيان الصهيوني عقب الهجوم على أسطول الحرية..قد نختلف مع بعض مواقف وتصريحات أردوغان ولكن لا يمكن أن نهمل وضعه دائما لمصلحة بلاده ـ كما يراها ـ في المقدمة كما لا يمكن أن نغفل مواقفه النابعة من عقيدته الدينية وحرصه على إظهارها دون الخوف من الاتهامات الجاهزة للإطلاق في الغرب في كل لحظة  بـ "الأصولية أو "الارهاب" وهي اتهامات أصبح العديد من الحكام المسلمين يخشون منها مما يكبل أيديهم في مواقف كثيرة تخصم من رصيدهم عند شعوبهم في حين تجعل أردوغان ينال استحسانا كبيرا ..

 

حدث ذلك في موقفه من فرنسا بعد تبنيها قانون إبادة الارمن ولم يخجل من اتهامها بالعنصرية ضد المسلمين صراحة واستدل بمجازرها ضد الجزائريين خلال الاحتلال ورغم ان هذه الجرائم يعرفها القاصي والداني ويعترف بها الكثير من الفرنسيين انفسهم إلا أن حكومة الجزائر دعته لعدم التدخل في هذا الشأن خوفا على علاقتها بباريس وهو موقف شديد الرداءة يعبر عن عقلية انهزامية..كذلك ظهر معدن الرجل في موقفه من الحرب التي شنها الكيان الصهيوني ضد غزة والتي كانت تصريحاته فيها هي الاعلى والاقوى واتخذ مواقف صارمة من "إسرائيل" رغم العلاقات التي تربط  البلدين من قبل مجيئه للسلطة ورغم قوة الجيش التركي وعلمانيته الشديدة ورفضه لهذه السياسة..

 

إن تركيا في موقفها الاخير من المالكي لم تكتف بالتصريحات النمطية التي تقال في مثل هذه الظروف ولكنها  أكدت على عزمها اتخاذ خطوات عملية كما أنها رحبت باستقبال الهاشمي, وقامت بدعوة أحد زعماء الشيعة هناك لزيارتها وهو عمار الحكيم لكي تبلغه رسالة واضحة تتضمن ضرورة الحذر من ممارسات المالكي المتطرفة وضرورة البحث عن قيادة أخرى تستطيع التعامل مع السنة بصورة أكثر انفتاحا..

 

المالكي من جهته تقمص دور الحاكم المستقل واستنكر بشدة تصريحات اردوغان ووصفها بأنها تعد تدخلا في شؤون بلاده رغم أنه لم يجلس على كرسيه إلا بعد أن تلقى الرضا السامي من إيران التي قدم لها فروض الولاء والطاعة بعد أن كانت غاضبة منه, كما أنه لم يعلق على تصريحات قائد فيلق القدس الإيراني والذي أكد فيها تبعية لبنان والعراق لايران فأين كانت السيادة التي يتكلم عنها؟!أردوغان أخذ المبادرة وعلى الحكام العرب أن لا يتركوه وحيدا على الساحة ليس فقط لضرورة نصرة اخوانهم السنة ولكن حتى لا تسقط العراق تماما في ايدي الرافضة وتتحول الشوكة الواحدة في الخليج إلى شوكات عديدة.