أنت هنا

عام من الربيع العربي.. إنجازات وعثرات وتوقعات
29 صفر 1433
موقع المسلم

{قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران: 26].

 

ما من ريب في أن الآراء تختلف في تقويم نتائج ثورات الشعوب العربية على الطواغيت المستكبرين، التي انبعثت بقوة قبل عام مضى، وهو اختلاف مقبول ما دام في نطاق وجهات النظر الموضوعية غير المتحيزة لأسباب ذاتية وعاطفية، لا تصلح للتعامل مع الأحداث اليومية فما بالنا بمحطات انعطاف تاريخية حاسمة في تغيير مسارات أمة بأكملها؟

 

إن من مصلحة الربيع العربي أن نقيس ثماره ونستشرف آفاقه المستقبلية القريب منها والبعيد، بلا تهويل ولا تهوين، فالحكيم يحاسب نفسه محاسبة صارمة تشبه محاسبة شريك شحيح لشريكه.

 

ولتكن البداية من نجاح ثلاثة شعوب عربية- أهل تونس فمصر فليبيا- في كنس فراعنتهم، الذين كانوا يتوهمون أنهم مانِعِتُهم حصونُهم من بأس الله تعالى، الذي جاءهم على أيدي شعوب عزلاء لطالما أذاقوها سوء العذاب وقيدوها بقيود التجويع والإذلال، وإن اقتضى خلعُ طاغيةِ ليبيا أن يَحْمِلَ مواطنوه السلاح وأن يفرض العالم عليه حظراً جويّاً حازماً.

 

ومما ينبغي للمتابع المنصف أن يضيفه إلى رصيد الربيع العربي، بوادر الانتصار الجدي على طاغية اليمن علي عبد الله صالح وحاشيته الفاسدة، بالرغم من انقسام الشعب اليمني حول صفقة منح صالح حماية من أي محاكمة على جرائمه في حق الشعب اليمني الذي تمسك بسلمية ثورته مع أنه يملك مخزوناً هائلاً من الأسلحة.

 

وربما تمثل الاستثناء الوحيد حتى الآن كما يرى بعض الناس، في الثورة السورية الرائعة على النظام الطائفي الهمجي التابع لأحفاد أبي لؤلؤة المجوسي في إيران، إذ عجزت حشود السوريين الثائرين على الظلم المقيم عن اقتلاع الطاغية بعد أحد عشر شهراً من موجة الاحتجاجات السلمية المستمرة بزخم شعبي متصاعد لا تخطئه العين السليمة، ولا تخفيه كل جهود النظام الشرسة وأذنابه الكثر لمنع ظهور الصورة الفعلية لحجم الثورة ولمدى وحشية آلة القمع التي تملكها عائلة الأسد المجرمة، تؤازرها في مهمتها القذرة قطعان الصفويين من إيران وأدواتها في العراق ولبنان المجاورين.

 

غير أن قصور هذه الرؤية يتجلى في اعتمادها على ميزان مختلٍّ، يقرأ الثانوي العابر  ويتجاهل الإستراتيجي الفاصل، ويُعْلي من شأن الزبد المتطاير فوق السطح، ويغض البصر عن الطوفان الجارف العميق.كما أن من عيوب هذه الرؤية كونها لا تبالي بالظروف والملابسات المعقدة التي تحيط بالمشهد السوري.

 

فالسوريون لا يواجهون طاغية معزولاً أو شبه معزول من أمثال ابن علي أو مبارك أو القذافي، وإنما يتصدون ببسالة لمشروع طائفي ضخم ومخيف يتكئ على تراث من البغضاء غير مسبوق، وهو مدجج بإمكانات هائلة جرى تحضيرها على امتداد عقود من السنين ثم ثم توظيفها لسحق أمة التوحيد بقضها وقضيضها، وهي غافلة عما بحيق بها من مؤامرات غفلة تقترب من الإنكار اللا عقلاني لحقائق ملموسة وقاطعة، بالرغم من تنبيهات قلة من العلماء المخلصين وندرة من المفكرين اليقظين. وهو مشروع يحظى بتأييد يهودي وصليبي مطلق، وتغيب عن مجابهته سائر الدول التي يهددها بالاستئصال التدريجي الواضح لكل ذي عينين.فالعدو في الحالة السورية يتجاوز حدود سوريا بامتدادات إقليمية ودولية، والشعب السوري ينهض بهذا العب الجسيم وحده بلا عونٍ من أي مخلوق فهو يستعين فحسب  بقيوم السماء والأرض سبحانه وتعالى.

 

لكل ما سَلَفَ من تعقيدات ومعطيات، نقول جازمين: إن ثورة الشعب السوري هي الأعظم والأشد نصاعة من جميع الثورات العربية التي يبقى لها نصيبها المحترم من الريادة والإنجازات الباهرة.

 

وهي منتصرة بإذن الحق عز وجل انتصاراً حاسماً لا ريب فيه، باعتراف الجميع بمن فيهم الحاقدون المنحازون بشدة إلى صف الطاغية المرتعش، وكذلك المتربصون من قريب أو بعيد وقلوبهم وطاقاتهم مع النظام وإن كانت ألسنتهم مع الشعب السوري حياء من شعوبهم ليس غير.