الثورة السورية كما يراها الأمين العام لرابطة علماء المسلمين
10 صفر 1433
متابعة إخبارية ـ محمد لافي

ثمانية أشهر ولا تزال الثورة السورية مشتعلة، يؤجج اشتعالها صبر أبناء الشام المبارك وبسالتهم وإصرارهم على اجتثاث الظلم ومن ظلمهم،على الرغم من اشتداد وطئة هذا الظلم وتزايد عمليات القتل والتعذيب والتدمير حتى مع وجود بعثة المراقبين العربية التي لم يزدهم وجودها إلا قتلاً وتنكيلاً.

 

ومع فشل الجهود العربية الهزيلة في توفير الحماية للشعب السوري المظلوم، وخيبة الأمل من ردة الفعل التركية، والموقف المتخاذل من الجامعة العربية والمريب من بعثة مراقبيها، واستماتة إيران وحزب الله في دعم النظام السوري والوقوف إلى جانبه، لم يبق لأبناء الشام المبارك، إلا الصبر والثبات والعض على النواجذ وأن يقطعوا تعلقهم بما سوى الخالق وترقب النصر الذي وعد به عباده الصابرين.

 

وفي هذا السياق، يتحدث الأمين العام لرابطة علماء المسلمين فضيلة الشيخ الدكتور ناصر بن سليمان العمر من خلال برنامج تلفزيوني على قناة وصال الفضائية بث منتصف الأسبوع الحالي، عن الوضع السوري الراهن، وما يحاك ضد أبنائه من مؤامرات وما ينبغي عليهم فعله والحذر منه في هذه الفترة التي تسارعت فيها الأحداث وتعقدت إيذاناً بنهاية وشيكة يرتقب فيها النصر لأولياء الله والغلبة على أعدائه.

 

ففي ظل هذه الأحداث التي عصفت بدول الوطن العربي، وما درج على تسميته بالربيع العربي، يذكر فضيلة الشيخ ناصر العمر بما تحدث به قبل سنتين وتحديداً أثناء العدوان "الإسرائيلي" على غزة، من أن هناك صحوة إسلامية قادمة أصبحنا نرى ثمارها ولله الحمد في ليبيا وتونس ومصر، هذه الصحوة التي نادى بها الشرفاء خلال 40 عاماً في ظل مساعي العلمانيين ومخططاتهم لإفشال هذه الصحوة.

 

ويرى فضيلته أن الربيع العربي مثلما أنه ربيع للشعوب فهو خريف عربي لحكام تلك الشعوب الذين بدأوا يتساقطون الواحد تلو الآخر، مثلما تتساقط أوراق الخريف.

 

الجامعة العربية جزء من المشكلة.

ويصف فضيلة الشيخ ناصر العمر موقف الجامعة العربية بأنه صدى لما يحدث في الغرب مطالباً هذه الجامعة أن تكف شرها عن الشعوب؛ فقد ميعت القضية، بل إنها في أول الأحداث وقفت إلى جانب النظام السوري، ويتسائل كيف ترسل بعثة المراقبين بعد ثمانية أشهر؟ ويستنكر تصريحات أمين الجامعة العربية نبيل العربي بأن النظام السوري قام بسحب الآليات العسكرية من المدن على الرغم من إطلاق النار والقتل الذي يجري حالياً في سورياً.

 

ويؤكد الدكتور العمر، أن بعثة المراقبين التي أرسلتها الجامعة لتكون شاهدة على الجريمة، هي بعثة هزيلة ضعيفة، لم يراقبوا الله عز وجل في مهمتهم فصاروا شهود زور، وفروا غطاء للنظام السوري ليمارس جرائمه فزاد القتل والتنكيل أثناء بوجودهم.

 

الموقف التركي المخيب للآمال
"على الرغم من الأثر الطيب الذي لمسناه من حزب العدالة والتنمية"، كما يقول فضيلته، إلا أنه لم يرق إلى مستوى الحدث مثلما يشير، لذا فهو عبر عن خيبة أمله من الموقف التركي الذي كان ينتظر منه الوقوف إلى جانب الثورة السورية، فأتت مواقفه مخزية ومحبطة وعلى خلاف ما سمع منه من تصريحات ووعود، فضلا عن المواقف السلبية الأخرى مع ثوار ليبيا وتواطئه وصفقاته مع النظام الليبي، غير أنه يرى في الأحداث فرصة تاريخية لتركيا لتقف مع الثورة السورية وتعيد مجدها في العالم الإسلامي.

 

المشروع الصفوي مرهون ببقاء النظام السوري.
ويفسر فضيلة الشيخ ناصر العمر استماتة "حزب الله" الإيراني في لبنان في دعم النظام السوري، إذ إن سقوط النظام النصيري في سوريا هو ضربة موجهة للمشروع الصفوي في المنطقة، ـ كما يراه ـ وهذا ما تعلمه إيران تماماً، ويبدو هذا جلياً من مواقف "حزب الله" المتناقضة تجاه الأحداث التي توالت في الدول العربية، فموقف "حزب الله" من أحدث تونس ومصر وليبيا على النقيض تماماً من موقفهم في سوريا، كما أن موقف إيران و"حزب الله" في دعم ثورة البحرين يناقض موقفهم في سوريا، وعلى نحو يجعل منهم متآمرين على دولة البحرين، لأن ما حصل فيها لم يكن ثورة.

 

ويرى فضيلته أن تعلق مصير المشروع الصفوي على بقاء النظام السوري يتيح الفرصة لدول الخليج التي تعاني من تدخل إيران في شؤونها والمجال لتفويت هذه الفرصة على النظام الإيراني وذلك بوقوف دول الخليج إلى جانب الشعب السوري لا سيما وأنها – أي دول الخليج – محاطة بالرافضة من جهة إيران والعراق وسريا، وكذلك من الشيعة في اليمن.

 

دور العلماء
ويستنكر فضيلة الشيخ ناصر غياب موقف بعض العلماء والدعاة إزاء الأحداث في سوريا وتبنيهم موقف الحياد، ليؤكد أن الحياد لا يكون بين الحق والباطل، فقد كان إبراهيم عليه السلام "حنيفاً" أيا مائلاً نحو الحق، وهذا ما ينبغي أن يكون عليه العلماء في مثل هذه الظروف، فمن لم يكن منهم مع إخوانه في سوريا فهو ضدهم، شاء أم أبى.

 

وفي الوقت نفسه يرد فضيلته على من يتساءل عن دور العلماء في هذه الأزمة ليشيد بموقف الكثير منهم ممن آزر إخوانهم في سوريا، فها هي رابطة علماء المسلمين بأعضائها الذين يبلغ عددهم 100 عالم من 40 دولة قد أصدرت منذ بداية الثورة 5 بيانات كان آخرها البيان الذي تنتقد فيه الموقف المتخاذل للجامعة العربية، وموقف بعض الدول العربية المتواطئة وموقف المراقبين العرب، إلى جانب مشاركات الرابطة في القنوات الفضائية والتصريحات والمداخلات، وما إلى ذلك من مواقف لاتحاد علماء المسلمين والأئمة والخطباء.

 

التحذير من التسويات الخادعة ..
ويحذر د. العمر من الخيانات والتسويات السياسية الهزيلة، التي قد يسعى لجرهم إليها النظام السوري والمتواطئين معه فيقول " أخشى ما أخشاه على إخواننا في الشعب السوري أن ينخدعوا ببعض أمان وتسويفات بعض الدول العربية التي هي صدى للدور الغربي ".

 

ويؤكد أنه لا مجال للتسويات الآن بعد هذه التضحيات وهذه الدماء وبعد أن وصل القتلى بالآلاف، في حين أن ذلك كان يمكن أن يقال من قبل لتجنب كل ما يحدث الآن، ولكن بعد أن حدث فلا تصلح المراجعة.

 

ويوجه حديثه إلى الأنظمة العربية الذي أدى تمالئها مع الغرب وسكوتها وتعاون بعض الأنظمة منها مع أمريكا إلى تدمير العراق، هو ما جعل العراق الآن شوكة وخنجراً في صدر الدول الخليجية، بأن لا تكرر الموقف نفسه في سوريا بسكوتها على تلك المجازر.

 

ويعود فضيلته ليحذر إخوته في الشام من بعض المنظمات داخل سوريا، فهي وإن كانت منظمات معارضة كما تدعي، فهذه المنظمات صناعة غربية مدسوسة أوجدت لتوجيه الأحداث ولإحباط المعارضة، فعليهم أن لا ينساقوا وراءها وأن لا يثقوا بها.

 

الصبر والثبات من مقومات النصر.
ومع اقتراب موعد نصر المؤمنين الصابرين بإذن الله كما يرى فضيلته، إلا أنه يحذر الإخوة في سوريا من التراجع في اللحظات الأخيرة بعد ما قدموا من تضحيات لم يقدمها غيرهم من الشعوب، ليؤكد عليهم بالثبات والصبر إلى حين النصر، مع أخذهم بعوامل النصر، وهي أن يحسنوا الظن بالله عز وجل،وأن يقطعوا تعلقهم بما سوى الله، وأن يحرصوا على سلامة المنهج وصدقه وصفائه، وأن يلتفوا حول راية صالحة مجاهدة كما سبقهم بذلك إخوتهم في ليبيا.

 

كما يؤكد فضيلته على وحدة الصف ونبذ الخلاف والتفاؤل حتى في أصعب المواقف، فالنفوس المهزومة لا يمكن أن تنتصر، وكما أن الشعب السوري الآن محاط بالجيش والدبابات فقد أحيط بموسى عليه السلام وقومه حينما أدركهم فرعون وجنوده، وحاصروهم من خلفهم والبحر من أمامهم، وظن أصحاب موسى أنهم مغرقون، ليأتي النصر من عند الله، وإذ بفرعون الذي كانوه يهابوه جثة غارقة أمامهم، وكذا فإن نصر الله قريب، لكن عليهم أن يتوجها إلى الله بالصدق والدعاء والصبر والثبات، " وما النصر إلا من عند الله ".