مماحكات العلمانيين للتهرب من الشريعة
6 صفر 1433
تقرير إخباري ـ خالد مصطفى

بدأ العلمانيون العرب في الانتقال من رفض تطبيق الشريعة الإسلامية الجازم والقطعي لأسباب أيديولوجية واضحة ورميها "بالتخلف وعدم مواكبة العصر" إلى المداهنة واللف والدوران حول تطبيقها خصوصا مع تصاعد المد الإسلامي في العالم العربي والنجاح الذي حققه الإسلاميون في الانتخابات الاخيرة والشعور بان الشارع العربي أسلم قياده للاتجاه الإسلامي, وأن محاولات التهجم الصريح على الشريعة ستصب في الخصم من رصيد هؤلاء العلمانيين في الشارع والمتهاوي أصلا..

 

ظهر ذلك جليا بعد تراجع الكثير من العلمانيين عن الدعوة لإلغاء المواد التي تنص على إسلامية الدولة ومصدرية الشريعة في الحكم من الدساتير بعد الصدود الذي وجدوه من عامة الشعوب بكافة طبقاتها ووجدوا أنفسهم في عزلة شديدة وقاب قوسين او ادنى  من الخروج النهائي من الساحة السياسية ولكنهم لم يكفوا عن إثارة الشبهات والتشكيك في إمكانية تطبيقها بأعذار شتى وكان من أهم شبهاتهم أن التحاكم إلى الشريعة سيجعل أي معارض للحكومة معارض للدين وسيتهم بالكفر وسيجد من يطالب بقتله, وهي شبهة متهافتة لأن هناك فرق بين من يعارض أسلوب التطبيق أو أمر مختلف فيه من الشريعة وبين من يعارض أصل من أصولها المتفق عليه أو يرفض تطبيقها من الاساس, كما أنهم أثاروا مسألة الخلاف بين الاتجاهات الإسلامية حول بعض المسائل الشرعية لكي يؤكدوا عدم وجود شريعة واضحة لتطبيقها وهو أيضا مردود عليه بأن مسائل الاتفاق معروفة وواضحة أما الخلاف فيرجع فيه للمؤسسات الرسمية في الدولة لكي تدلو بدلوها وعلى الجميع أن ينصاع لها ما دامت داخل إطار المختلف فيه.

 

ثم هناك مجال بعد ذلك لانتقاد طرق التطبيق أو أي أخطاء بشرية للاشخاص القائمين على تطبيق الشريعة ليس لأنهم طبقوها ولكن لأنهم أخطأوا ـ حسب وجهة نظر المنتقدين ـ في طريقة تطبيقها أو خالفوها فهم بشر يصيب ويخطئ وهناك فرق كبير بين المنهج نفسه وتطبيقه وبين من يسلّم للمنهج ويسعى لتطبيقه وبين من يرفض أصلا تطبيقه, ولنضرب مثالا مع الفارق بين الذين يدافعون حتى هذه اللحظة عن الافكار الشيوعية رغم انحسارها؛ فهؤلاء يعتقدون بسلامة المنهج ولكن يلومون من أخطأوا في طريقة التطبيق, وكذلك أصحاب الأفكار الرأسمالية والليبرالية لا يتراجعون عنها بمجرد فشل التطبيق في مكان ما بل يؤكدون على هذا الفارق, لكن العلمانيين يريدون الوصول من هذه النقطة إلى أن جميع التطبيقات للشريعة فاشلة ويستدلون ببعض البلدان التي أعلنت تطبيقها للشريعة وتعرضت لصعوبات زاعمين أن الشريعة لم يحسن تطبيقها إلا في فترة قصيرة من عهدة النبوة والخلافة الراشدة متجاهلين أن كثيرا من البلاد التي أعلنت تطبيق الشريعة تعرضت للحصار والعقوبات والضغط للتخلي عنها والبعض الآخر أعلن عن ذلك لأسباب سياسية لجذب التعاطف وليس اقتناعا, كما أن الشريعة الإسلامية ظلت حاكمة في البلاد الإسلامية حتى سقوط الدولة العثمانية رغم بعض الانحرافات هنا أو هناك وليس أدل على نجاحها طوال هذه القرون من قوة الدولة الإسلامية وسيطرتها على العديد من الدول وازدهارها ونموها معظم الوقت وحمايتها للعالم الإسلامي الذي تبعثر بعد سقوطها وتمكن الغرب من احتلاله ونهب خيراته..

 

العلمانيون الذين يوجهون سهامهم تجاه الدولة العثمانية لبعض الاخطاء التي وقعت فيها ينسون كيف حافظت على فلسطين ووقفت أمام القوى العالمية لمواجهة مخططات الاستيلاء عليها, والتي لم تجد مفرا للوصول لما تريد إلا بالقضاء على هذه الدولة, ومنذ انهيارها تسلم الحكم في معظم البلاد الإسلامية قادة تبنوا مذاهب علمانية شتى أضاعت هيبة المسلمين وسلمت أراضيهم لأعدائهم وحتى هذه اللحظة لم يتمكنوا من استرجاعها.