لم يكن التفجيران اللذان استهدفا مقرين استخباريين في العاصمة السورية لم يكونا مفاجئين للمراقب العارف بتركيبة النظام الوحشي الطائفي المتسلط على رقاب الشعب السوري منذ 41عاماً.فكل شيء في خلفية المشهد السوري عشية وصول الوفد الطليعي لبعثة المراقبين العربية، كان يوحي بأن المسرح جاهز لفصل درامي مفتعل، فوزير خارجية النظام وليد المعلم أشار فور التوقيع على بروتوكول البعثة بين جامعة الدول العربية ونائب وزير الخارجية الأسدية، إلى إمكان حصول وقائع تشبه التفجيرين!!
إلا أن هذا الفصل الدموي لم يخدع أحداً باستثناء وفد المراقبين العرب الذي استجاب لإملاءات نظام الأسد فارتضى زيارة موقع التفجيرين على الفور، لكي تتأكد شكوك السوريين في البروتوكول العربي وتوابعه، الأمر الذي جعلهم يطلقون على تظاهرات هذه الجمعة اسم : بروتوكول الموت!!
فالمكانان كما يعرف كل سوري يخضعان لحراسة شرسة يستحيل معها على ذبابة أن تمر بسلام!!وكيف يتم الإعلان عن الخبر بعد دقائق في بلد لا يمكن إذاعة خبر مشابه إلا بعد أيام إذا قررت أجهزة القمع أن النشر يخدم مصالحها الوضيعة.وكيف يسارع موظفو النظام إلى الكلام المهزلة عن أن التحقيقات تؤكد ضلوع تنظيم القاعدة في ارتكاب التفجيرين!!حصل هذا بعد ربع ساعة فقط من وقوع الحدث.والمضحك المبكي أن قناة الدنيا المتخصصة ببث الكذب المحض على مدار الساعة، زعمت في الوقت ذاته أنه تم اعتقال عدد من المخططين للجريمة!!
ونسيت أبواق مسيلمة الجديد أن ربيبهم عماد مغنية نفق قبل سنوات بتفجير سيارته في أحد مَوْقِعَيْ التفجيرين الأخيرين ووعدت أجهزة النظام بالإعلان عن نتائج التحقيق خلال يومين، ولم يتحقق الوعد حتى اللحظة، فكيف انتهى التحقيق المزعوم في التفجيرين الحاليين خلال دقائق!!!
وهل هناك عاقل تنطلي عليه مهزلة بهذه الفجاجة وهو يتابع مسارعة النظام إلى دفن ضحايا التفجيرين في اليوم التالي، مع أن من بديهيات أي تحقيق جنائي في مقتل شخص واحد، تمنع دفن الضحية قبل تشريح الجثة وربما إجراء فحص للبصمة الوراثية ( DNA)...
وما من متابع يحترم نفسه إلا وهو يعلم أن تنظيم القاعدة لا يستحيي من أفعاله مهما بلغت من الفظاعة، فهو يتبناها ويبث مقاطع مصورة لمنفذي الهجمات..
وفوق ذلك كله، هنالك قاعدة جوهرية في توجيه الاتهامات الأولية في أي جريمة، تنطلق من تحديد المستفيد منها، وهو النظام السوري وحده في حالتنا اليوم، فهو يسعى إلى إثبات أكذوبته الرخيصة عن العصابات المسلحة التي اخترعها.
ولا ينتهي الابتذال الأسدي عند هذه الملاحظات الأساسية، فقبل وقوع التفجيرين بساعات "تطوع" وزير خارجية حكومة حزب الله في لبنان بحديث صاعق عن تسلل عناصر من تنظيم القاعدة إلى سوريا من قرية عرسال اللبنانية المحاذية للحدود مع سوريا!!ولم يترك التصريح الفج أدنى فرصة لحمله على محمل الجد، فالتوقيت مفضوح، والعلنية فيه أكثر افتضاحاً لأن المعهود في معلومات كهذه أن تتبادلها الدول عبر قنوات شديدة التكتم، ولا سيما أن الوزير اللعبة لو كان لديه ذرة من الصدق لتعين على اللبنانيين محاسبته عن السبب وراء ترك هؤلاء المتسللين المزعومين يغادرون لبنان من دون اعتقالهم!!كيف والحدود اللبنانية تخضع منذ شهور لرقابة صارمة من عصابات الجيش الأسدي والجيش اللبناني الذي تقوده حكومة الولي الفقيه في لبنان، بهدف منع المدنيين السوريين من اللجوء إلى لبنان المجاور من قراهم.
إن قضية الشعب السوري تستحق من الدول العربية تعاملاً مختلفاً كل الاختلاف عما فعلوه حتى الآن، فالمماطلة والاستجابة لألاعيب النظام السوري المكشوفة يجعل الجامعة العربية في موقع المتواطئ، حتى لو ادعت حسن النية، فحسن النيات في مثل هذه الكوارث حماقة لا يقع فيها عاقل.والتذرع بالاختلافات بين الدول الأعضاء التي يؤيد بعضها دموية النظام السوري تذرعٌ لا يشفع لأصحابه، لأن في وسع الأعضاء الشرفاء أن ينفردوا بموقف مشرف يذكره لهم التاريخ، ويؤدي إلى تعرية أشياع نظام القتل في سوريا.وليس يخفى على ذوي الألباب أن دول مجلس التعاون هي الأجدر بالنهوض بهذه المسؤولية العظيمة أمام الله تبارك وتعالى ثم أمام شعوبهم وأمتهم.