أنت هنا

محاكمة الهاشمي.. عراق بلا سنة
26 محرم 1433
موقع المسلم

ملاحقة نائب رئيس الجمهورية العراقية طارق الهاشمي قضائياً، واستهداف نائب رئيس الوزراء صالح المطلك سياسياً، وكلاهما ممن ينتمي إلى فريق من أهل السنة في العراق يوصف لدى كثيرين هناك بالنزوع إلى "الاعتدال" إلى حد التفريط في حقوق السنة، وحقها في مقاومة الاحتلال الأمريكي والإيراني، وانخراطه في العملية السياسية التي جرت تحت مظلة الاحتلال وفق مبرر عدم ترك الساحة للآخرين من الطوائف الأخرى لرسم خارطة ومستقبل البلاد وحدها، يدل على أن الإيرانيين الذين يحكمون العراق الآن لم يعودوا في وارد ترك أية مساحة للأغلبية السنية للمشاركة السياسية الرمزية في حكم البلاد، ويؤشر لأيام تنتظر العراقيين في مرحلة ما بعد الانسحاب الأمريكي (الجزئي) سيسقط معها القناع الأخير الذي ارتداه النظام العراقي الطائفي.

 

والذي ينتظر الأكثرية السنية المهمشة يبدو أنه أكثر إقصاءً وتهميشاً من تلك الفترة التي تم فيها السماح بوجود "ديكور" سني في نظام الحكم الطائفي الذي تديره إيران بكل تفاصيله وتحتفظ فيه واشنطن بمصالح استثنائية كدولة احتلال عظمى؛ فالهاشمي الذي كان أحد تجليات هذا الديكور، واتُهِم مراراً من قبل أطراف عديدة في المقاومة العراقية بالتناغم مع مصالح المحتلين إلى حد الرمي بالخيانة العظمى لمصالح أهل السنة في العراق من فصائل وقوى في المقاومة وخارجها، أصبح اليوم طريداً لـ"عدالة" إيرانية كتلك التي "تمتع" بها الرئيس الراحل صدام حسين أثناء محاكمته ومنذ إلقاء القبض عليه، مع فارق هائل بين الشخصيتين؛ فالثانية قاومت بضراوة، ولها تاريخ عسكري معروف في إلحاق الهزيمة بالإيرانيين، أما الأولى فارتضت بعملية سياسية تحت نير الاحتلال ظناً منها أنها ستمكنها من تقليل المظالم الواقعة على العراقيين لاسيما السنة منهم فانتهت إلى قفاز بالٍ سرعان ما يحاول المحتلون التخلص منه بعد أن أدى مهمته لديهم (ولو كانت نيته خلاف ذلك).

 

والهاشمي الذي تمكن من الفرار إلى كردستان طمعاً في تحسين وضعه التفاوضي مع مجرمي بغداد، أقر ضمناً بأنه كان ينفخ في رماد خلال الأعوام الثمانية الماضية؛ فلا استقلال قضاء قد تحقق بدليل لجوئه إلى آخر يراه مستقلاً وغير مسيس مثلما وصف به القضاء العراقي، ولا ديمقراطية تحققت وهو ما قاله عاتباً على الأمريكيين قولهم إنهم قد تركوا وراءهم ديمقراطية في العراق، ولا نظام أمنياً قد حصل وهو يتندر على فبركة الأدلة ضده وترك السلطات المجرمين يسرحون في طول البلاد وعرضها يقتلون بدم بارد كما يقول الهاشمي، ولا حصانة قد وفرها له منصب ظل منذ بدء الاحتلال، وهو محاصر منذ شهرين ـ بحسب روايته ـ بالدبابات ثم المدرعات بأمر من رئيس الوزراء الطائفي، ولا حقوق إنسان قد وفرت، وهو يشاهد حراسه الشخصيين مادة لاعترافات وهمية على شاشات التلفزة مخالفة للقانون.
أما حقوق الساسة السنة بوجه عام فقد تبين تهافتها ورئيس الوزراء يقيل نائبه السني (المطلك) لاتهامه إياه بالديكتاتورية والتسلط.

 

كل هذا كان واضحاً للعيان لكنه بدا مفاجئاً للهاشمي الذي اتهم إيران باستهدافه واستهداف الكتلة العراقية كلها، أي الواجهة السياسية الهشة والأخيرة للسنة في العراق، لكن ما بدا أنه أكثر وضوحاً الآن، هو التخلي الأخير لواشنطن عن أكثر الأجنحة السنية "اعتدالاً" ـ إن جاز التعبير ـ في إطار صفقة شاملة تتسع لتشمل الحديقة الخلفية للإيرانيين في قصر "الشعب" السوري؛ حيث عاد السفير الأمريكي لواشنطن في دمشق وتراجع التلويح الأمريكي بالعمل على تغيير نظام بشار الأسد، وحيث عاد نظام المالكي ضاغطاً في اتجاه مقابل باتهام الرياض وأنقرة بدعم الهاشمي، في الوقت نفسه الذي يقوم فيه المالكي بدور "الوساطة" بين بشار والجامعة العربية الهزيلة.