هل هناك مؤامرة؟ نعم..هل العسكري بريء؟ لا
26 محرم 1433
تقرير إخباري ـ خالد مصطفى

ما يحدث في مصر الآن مشهد شديد الالتباس ولا يمكن أن يوضع في إطار الحسابات المعتادة والكلام النمطي عن حق التظاهر والاعتصام فالبلاد لا تعيش في ظروف طبيعية وقد دخلت في طريق الانتقال الحقيقي للسلطة بعد تنظيم انتخابات البرلمان وتحديد موعد للانتخابات الرئاسية, وما تشهده الاعتصامات والمظاهرات من أعمال عنف وقتل وإصابة وحرق يتبرأ الجميع لاحقا من تبعاتها يؤكد الحاجة إلى رؤية مختلفة للتعامل مع الواقع بعيدا عن المصالح الضيقة وتحريض مثقفي الفضائيات, وهيجان الشباب الذي يفتقد للنضج السياسي والفكري ـ مع التأكيد على حسن نواياهم ـ ولكن ليس بحسن النوايا فقط تقوم الامم, والمشاهد التي رأيناها أمام القصر العيني تؤكد أن هناك اختراقا كبيرا في صفوف الشباب الثوري فكيف للشباب الذين خرجوا حاملين أرواحهم على أكفهم خلال 18 يوما عمر الثورة التي أطاحت بمبارك أن يحرقوا تراث بلدهم بهذا الاستهتار, ويلفظوا بهذه العبارات وتكون هذه ملامحهم ..

 

إن تجاوز هذه النقطة الهامة في تحليل الاحداث والتركيز فقط على عنف العسكري وتعريته للمتظاهرات ـ وهو أمر ندينه بشدة وسنعود إليه بعد قليل ـ ليؤكد على رغبة البعض في استمرار هذه الفتنة لكي تصل إلى السلطة شريحة معينة تقود البلاد في المرحلة القادمة للانقلاب على نتائج الانتخابات البرلمانية التي أصابتهم بالفزع, ومن هذا مطالبة البعض بمجلس رئاسي مدني معظمه من العلمانيين..كلما ظهرت نتيجة مرحلة من الانتخابات البرلمانية تبدأ الحرائق وكلما اقترب الإسلاميون من السلطة كلما وضحت خيوط المؤامرة التي تشترك فيها العديد من الاطراف؛ فمرة تبدأ من المجلس العسكري الذي فض اعتصام عدد محدود في التحرير بالقوة وفي معزل عن الحكومة والشرطة كما اتضح فيما بعد , ومرة تبدأ من المتظاهرين الذين يلعبون الكرة أمام مجلس الوزراء! ويقفزون داخله وكأنهم في رحلة مدرسية, وعندما يتعرض لهم أحد الضباط لا يكتفي بإلقاء القبض على المتسلق ولكن يشبعه ضربا ويرسله لأصدقائه في الخارج ليبدأوا في الاتصال بالفضائيات التي لم تقطع إرسالها أصلا عنهم طوال الاعتصام رغم محدوديته وعدم توافق عدد كبير من القوى السياسية عليه, ثم تتصاعد الاحداث ليتم سحل وضرب المتظاهرين وتعرية النساء في استفزاز واضح لمجتمع مسلم محافظ ..

 

هل يمكن أن يقنعني أحد بأن هذا السيناريو السينمائي الهابط لا يعبر عن مؤامرة واستهتار ورغبة في عدم تسليم السلطة لمستحقيها بعد ان ظهروا في الافق, ثم كيف يمكن لنا أن نفهم تصريحات لبعض بقايا الشيوعيين الذين ليس لهم أدنى رصيد في الشارع ـ ولتراجعوا نتيجة الانتخابات ـ  عندما يخرج أحدهم ليتكلم باسم تنظيم "الاشتراكيين الثوريين" ويؤكد أنهم يسعون لثورة جياع وإسقاط الدولة وحدوث انقسام في الجيش ومنع وصول الإسلاميين "الرأسماليين" للحكم, هكذا صراحة ودون مواربة أو عبارات براقة كالتي يستخدمها إخوانه الليبراليون..

 

هناك حقائق ما زالت غائبة عن بعض شباب الثورة المصر على طريق الشارع للوصول إلى ما يريد, من أهمها أنه لم يعد بالملايين كما خرج أيام الثورة ولكن الملايين اختاروا طريق الانتخابات للتعبير عن رأيهم في التغيير وعليه أن يحترم هؤلاء الأغلبية, ثانيا أنه خسر تعاطف الكثير من الناس البسطاء في البيوت وهؤلاء هم السند الحقيقي للثورة ولولاهم لما نجحت ثالثا: التجربة أثبتت أنه مع عدم التوافق الوطني على النزول للشارع تحدث كوارث وتخترق الصفوف من البلطجية والأدعياء, كما يسهل استخدام القوة ضدهم من منتهزي الفرصة الذين يريدون فرض وجودهم حتى بعد إجراء الانتخابات الرئاسية...

 

مما سبق يتضح أن هناك اتفاقا بين أطراف قد تبدو متعارضة على عدم السير في خطوات نقل السلطة بشكل طبيعي وعن طريق الصندوق وهؤلاء هم السبب الحقيقي وراء ما يحدث: الطرف الاول مجموعة من اليساريين والليبراليين إعلاميين ورجال إعلام وقيادات أحزاب شعروا بضعف تواجدهم في الشارع , الطرف الثاني مجموعة من الشباب النقي المغرر به منأدعياء الثقافة والفكر, الطرف الثالث مجموعة من البلطجية والأجراء تحركهم عدد من الجهات بعضها تابعة للنظام السابق وبعضها تابعة للطرف الاول وبعضها غير معلوم على وجه التحديد, الطرف الرابع هو المجلس العسكري الذي يتصرف برعونة وعنده مخاوف كثيرة من تسليم السلطة والرجوع لثكناته..

 

يريد البعض من الإسلاميين أن ينزلوا إلى الميدان لتوريطهم بخبث في هذه الاحداث وهو ما رفضوه عن حق ولكن المطلوب من الإسلاميين هو التوسط وإقناع الشباب المغرر به بإخلاء الميادين تماما والانتظار ستة أشهر فقط حتى تنتخب مؤسسات الدولة ويعود العسكر إلى ثكناتهم وبعدها يتم وضع معايير وضوابط لقضية الاعتصامات وإذا لم يحدث فلينزل الجميع إلى الميادين في ثورة حقيقية لن يتمكن يومها مرتزق من اختراقها أو عسكري من سحلها.