لم يوفر زعيم "حزب الله" وقتاً ما بين التهديد والتنفيذ؛ فقد كانت "بشارته" تقول: "وأنا طبعا أبشّر كل هؤلاء الذين يهددون من وراء البحار والمحيطات، أنه قد جاءت من وراء البحار والمحيطات جحافل وقوافل وبواخر وبوارج ودمّرت عند شواطئ بيروت"، وجرى التنفيذ باستهداف قوات اليونيفيل بتفجير عبوة ناسفة؛ فجرح خمسة من أفرادها، وتحديداً القوة الفرنسية المرابطة في الجنوب اللبناني تطبيقاً للقرار الأممي 1701 القاضي بوجود قوات تابعة للأمم المتحدة على مساحة عرضها 15 كيلو متراً داخل الأراضي اللبنانية على حدودها مع فلسطين، كنتيجة لحرب العام 2006، والتي أسفرت عن قبول الحزب لهذا الاحتلال الأوروبي لجنوب البلاد.
العبارة قالها نصر الله في خطابه الذي وجهه لمناسبة عاشوراء، وألمح فيه بوضوح لأنه سيستخدم قواته لمن يهددون من وراء البحار، ويذكرهم ـ وتحديداً الفرنسيين والأمريكيين ـ بمصير زملائهم في الجيوش الغربية الذين قضوا في خريف العام 1983 على أيدي من قيل إنهم انتحاريون شيعة في بيروت.
والحق أن لا أحد هدد نصر الله هذه الأيام ليتوعد وينفذ مباشرة، بل سيق التهديد المبطن لإيران وشبه الصريح لنظام السفاح بشار الأسد الذي تدافع عنه ميليشيا نصر الله بضراوة، ما جعل زعيم "حزب الله" يتذكر أن لديه قوة احتلال أوروبية جلبها برعونته بعد ما يُسمى بالتحرير في العام 2000، وأنه يستطيع أن يهددها لا من أجل تحرير الجنوب اللبناني المحتل من القوة الغربية وإنما ليتصرف كقاتل مأجور يعمل لحساب طهران ليس إلا، ويبعث برسالته الواضحة للأمريكيين والفرنسيين أنه سوف لن يكون مرحباً بوجودهم ما داموا يهددون مصالح إيران، وأنه إذا كان الأمريكيون قد انسحبوا من العراق بالتفاهم مع "المبعوث السامي" لإيران في العراق؛ فإن يد الحزب يمكن أن تطالهم إذا تم تهديد إيران أو مصالحها السورية، وهو يعني أن زعيم الميليشيا جاهز لأداء دوره إن طلب إليه ذلك.
ولا غرابة في كل هذا، لا من حيث ضعف الضربة التحذيرية لليونيفيل لأن الميليشيا لا تريد فقدان علاقتها بالغرب، ولا في أسلوب التهديد، ولا مغزاه، إنما المثير للاستغراب حقاً، هو تماهي الأمريكيين والفرنسيين مع كل رغبة لـ"السلم" و"المصالحة" في سوريا، حتى لاعتبار أنها "مذعورة" على مصالحها من تهديدات قائد ميليشيا يتوعد فيها بعبارات تدعو للرثاء أكثر مما تدعو للفخر، كمثل قوله: "نحن يوما بعد يوم نزداد عددا، ويصبح تدريبنا أحسن وأفضل ونزداد ثقة بالمستقبل ونزداد تسليحا؛ فكل سلاح يصدأ نأتي بجديد".!!
ومثل هذا الكلام يمكن أن يخيف ميليشيا مناظرة أو حتى "إسرائيل" لكنه يكفي بالكاد لمنح واشنطن وباريس مبررات لإحجامهما عن الإطاحة بنظام بشار بدعوى أن ثمة حسابات "معقدة" تمنعهما من تلبية نداءات بعض قوى المعارضة بفرض حظر جوي على نظام بشار لحماية المدنيين السوريين الذين يذبحون بالعشرات كل يوم بدم بارد وتواطؤ شامل.
تهديد نصر الله صحيح أنه حقيقي بدليل تنفيذه وبدليل مسارعة تركيا في التذكير بأنها لن تتهاون في الرد على كل من يهدد أمنها القومي في إشارة ـ فيما يبدو ـ لتهديدات نصر الله، وبعض عمليات القطاع الموالي لطهران في حزب العمال الكردستاني، لكنه لا يتجاسر أن يمنع دولاً قوية من تنفيذ قرار أممي يمكن أن يصدر لو كان لدى هؤلاء إرادة وحماسة ولم يكونوا راغبين في بقاء نظام السفاح جاثما على صدور الأحرار السوريين.. لكن في الواقع لا إرادة ـ حتى الآن ـ لغياب هذا النظام الطائفي الموالي لتل أبيب، والذي يعد أحد أهم ركائز بقاء الكيان الصهيوني.