استبداد العسكر وصدمة الشعوب
15 محرم 1433
تقرير إخباري ـ خالد مصطفى

وسط الفرحة العارمة التي تعيشها الشعوب في المنطقة العربية عقب زوال عدة أنظمة مستبدة وقرب زوال البعض الآخر, ومع توالي الانتخابات النزيهة والتي اكتسحها الإسلاميون خرجت علينا تصريحات تريد إعادتنا للخلف وكأن دماء الضحايا التي لم تجف بعد نزفت من أجل استبدال عسكر بعسكر وديكتاتور بديكتاتور ويبقى الشعب رهينة المنح والعطايا..

 

لقد خرج علينا أحد أعضاء المجلس العسكري الحاكم في مصر والذي أكد دوما على أن السلطة ستعود للشعب وأنه لا تراجع عن "الديمقراطية" ليقول: إن البرلمان القادم لن ينفرد باختيار لجنة تشكيل الدستور لأنه "لا يمثل الشعب" وأن المجلس الاستشاري والحكومة ـ التي شكلها المجلس العسكري بالأمر المباشر دون رغبة معظم القوى السياسية ـ سيشاركان في اختيار اللجنة, وأنه لن يسمح لأي تيار سياسي بفرض إرادته حتى لو حصل على الاغلبية في الانتخابات, وجاءت هذه التصريحات بعد قليل من تصريحات أخرى سبقت الانتخابات أكد فيها المجلس العسكري أن الحزب الفائز في الانتخابات لن يكون له رأي في الحكومة ولن يشكلها وأن المجلس العسكري هو وحده صاحب الحق في ذلك, وهو كلام يتنافى مع أبسط قواعد "الديمقراطية" في أي بلد عرفتها ويسحب حق الشعب في اختيار من يحكمه . إذن لماذا قام الشعب بالثورة؟ هل من أجل تشكيل برلمان خالي الصلاحيات لا يستطيع عزل الحكومة التي عينها مجلس عسكري جاء للحكم بإرادة الشعب نفسه لكي يسلم السلطة للمنتخبين؟ إن المجلس يفعل كما كان يفعل مبارك من قبل غير أنه يجعل الشعب يختار من يريد ثم يسحب منه صلاحياته أما مبارك فكان لا يسمح للشعب بالاختيار مع منح المجلس صلاحياته فالنتيجة واحدة وفي النهاية الشعب عند المجلس العسكري ومبارك بل والعلمانيين قاصر وجاهل لا يعرف مصلحته وينبغي الوصاية عليه..ل

 

ا يوجد برلمان في أي دولة في العالم يمكن أن نقول أن كل الطوائف والفئات ممثلة فيه ولكن هناك أغلبية وأقلية فالاغلبية هي التي تحكم وعلى الاقلية والفئات غير الممثلة أن تعيد حساباتها للفوز في مرات قادمة ولكن نزع صلاحيات الاغلبية من أجل هذه الحجة الباهتة معناه أن لا فائدة من الانتخابات وأنها تمت من أجل تسكين وتسكيت الشارع كما يفعل المجلس منذ جاء أن للسلطة..

 

المدهش أن هذه التصريحات وما قبلها قوبل من أساطين الفضائيات والعلمانيين "مدعي الديمقراطية" بالصمت بل والترحيب الخفي لأنه صادف هواهم المعادي للإسلاميين وهو ما يؤكد انتهازيتهم وأن "الديمقراطية" ليست لعبة الإسلاميين لكي يستولواعلى السلطة كما يزعمون ولكنها لعبتهم هم, وليس أدل على ذلك من تخويفهم للشعب جراء اختيارهم للإسلاميين حتى أن بعضهم أكد أن البلاد أوشكت على الخراب وأن الكثير من الناس يقفون أمام السفارات الاجنبية للحصول على تاشيرات لكي يهربوا من البلاد, وإذا كان هذا التهويل صحيحا فلماذا أعطى كل هؤلاء الملايين أصواتهم للإسلاميين, وإذا كان وصول أي فئة للحكم سيجعل الفئات الاخرى تهدد بالرحيل فما معنى الانتخابات إذن وما جدواها؟.

 

.إن ما يحدث في مصر يعد انقلابا على الخيار الشعبي ولكن بشكل تدريجي وهو شبيه لما حدث في الجزائر من قبل على أيدي العسكر وأدخل البلاد دوامة شديدة من العنف, ولكن الشعوب الآن أصبحت أكثر نضجا وعرفت طريق الميادين ولن تترك فئة واحدة تتصدى للاستبداد فيسهل القضاء عليها كما كان يحدث من قبل ولكن ستقف جميعها للدفاع عن حريتهاواختيارها...

 

لقد أصابت هذه التصريحات الكثيرين بالصدمة وأعادت الحديث عن إمكانية رجوع العسكر حقا لسكناتهم بعد هذه المناورات دون ترتيب الحكم بشكل يرضون عنه هم وليس كما يرضى عنه الشعب, خصوصا ونحن قادمون على انتخابات رئاسية لا نعرف كيف ستجري بالضبط..

 

هل أصابت نتائج الانتخابات العسكر بالصدمة كما نقل بعض الكتاب عن سياسيين بارزين التقوا بهم مؤخرا؟ هل هناك ضغوطا ما يتعرضون لها من الغرب؟ هل سيؤثر ذلك على كيفية إدارة انتخابات الرئاسة وتشكيل لجنة إعداد الدستور؟ ألف هل وهل تطرح نفسها بعضها إجابته واضحة ومخيفة والآخر ستكشف عنه الايام القادمة.