عويل مدعي "الديمقراطية" في أعراس الحرية
8 محرم 1433
تقرير إخباري ـ خالد مصطفى

مشهد شديد الغرابة تلتقطه عيناك خلال مشاهدة عشرات الفضائيات التي تزعم الدعوة "للديمقراطية" وتطالب باختيار الشعب لقادته في العالم العربي أسوة بما يجري في "الدول المتقدمة", والتي صدعت رؤوسنا بضرورة الاحتكام للصندوق وأدانت التزوير والتزييف طوال عشرات السنين حيث  ظل الحكام المتسلطون يمسكون بمقاليد الامور ويجرون انتخابات هزلية تصفق لهم فيها أجهزة إعلامهم المأجورة, وعندما جاء الوقت للشعب أن يختار بنزاهة وشرف خرجت علينا أبواق العلمانيين تنعي وصول الإسلاميين إلى الحكم أو اقترابهم منه رغم اعترافهم بسلامة العملية الانتخابية بشكل عام وشدة الإقبال عليها ..

 

ليس من المفاجئ أن نقول أن بعض هذه الابواق راهن بشدة على عدم إتمام العملية الانتخابية وحرض بشكل غير مباشر على استمرار العنف والتوتر من أجل استمرار الفترة الانتقالية بكل مساوئها شريطة عدم فوز الإسلاميين وعندما فشل رهانه فقد توازنه ورأينا مآتم وسرادقات عزاء تنصب في ميادين الفضائيات خصوصا الجديد منها والتي تدور حول تمويلها الكثير من علامات الاستفهام..

 

فازت حركة النهضة أولا في تونس ثم فاز حزب العدالة في المغرب وها هم الإخوان والسلفيون يقتربون من الفوز في مصر بعد اكتساح للمرحلة الاولى التي شهدت تدخلا واضحا من الكنيسة والقساوسة في الانتخابات حيث أصدروا قوائم لمرشحيهم الذين يعادون التيار الإسلامي ويناهضون تطبيق الشريعة وهي سذاجة مفرطة فقد انقلب السحر على الساحر وسينقلب أكثر في المرحلتين الثانية والثالثة فقد استفزت هذه القوائم جموع المسلمين وأشعرتهم بخطورة المخطط الذي تديره الكنيسة وأنصارها من العلمانيين المتطرفين فزاد تمسكهم بالتيار الإسلامي فما كان من هؤلاء بعد ظهور النتائج الاولية وشعورهم بالخزي والهزيمة إلا أن أعلنوا براءتهم من القوائم وأصبحت القوائم وصمة عار على أصحابها الذين تسابقوا للتنصل منها وبدأو في سب وشتيمة التيار الإسلامي وإلصاق جميع التهم به وأدانوا استخدامه للدين في الحملة الانتخابية رغم أن المؤسسة الدينية الإسلامية الرسمية وهي الازهر منعت خطباءها  من المشاركة في الدعوة لتيار ما ووقفت على الحياد عكس الكنيسة التي وضح تدخلها السافر...

 

لقد أجمع المحللون على أن الانتخابات التي شهدتها البلاد العربية والتي فاز فيها الإسلاميون شهدت مشاركة واسعة للشعب ونزاهة في خطوات إجرائها بل وصل الامر إلى وصف محللين غربيين للانتخابات المصرية ـ والتي وصلت نسبة المشاركة فيها لأكثر من 70 في المائة ـ بأنها درس تتعلم منه الشعوب الاوروبية أصول "الديمقراطية" ..

 

من عجيب ما أدلى به أدعياء "الديمقراطية" في عالمنا العربي هو أن الشعب يحتاج إلى تأهيل من أجل المشاركة في الانتخابات وعليه أن يحصل على ترخيص يسمح له بالإدلاء بصوته وطبعا هذا التاهيل سيتم على يد مجموعة من المنظمات الحقوقية التي تدين بالولاء الفكري للغرب وستعمل على غسل أدمغة الناخبين وتبغيضهم في الإسلاميين وتشويه صورتهم وإلا لن يحصلوا على هذا الترخيص وهو أمر لم نسمع به إلا من "فقهاء الديمقراطية" في بلادنا الذين إذا هزموا في ميدان لم يوجهوا اللوم لأنفسهم ولا لمناهجهم الباطلة أوابتعادهم عن الناس وانكشاف عوار أطروحاتهم وفشل تجاربهم التي سبقت في دول عديدة رغم دعمها من الخارج ولكن يلقون الاتهامات جزافا على الشعب وعلى المنافسين..

 

الفوقية التي يتحدث بها دعاة العلمانية في عالمنا العربي تزيد من عزلتهم وتؤكد على فساد رؤيتهم ولكن الخطورة الحقيقية التي تأتي من قبلهم تتمثل في سياسة التحرش والإيقاع بين الإسلاميين ونصب الافخاخ لهم عند استضافتهم في منابرهم وهو أمر ينبغي الحذر منه فإذا اختلف سلفي مع إخواني ستجد صحفهم وفضائياتهم أول من تستضيف أطراف الخلاف ليس من أجل الإصلاح بالطبع ولكن من أجل إشعال المزيد من الحرائق وإبراز المنهج الإسلامي في صورة المختلف فيه دون تفريق بين ثوابت وفروع واجتهادات مستساغة وغير مستساغة, والخلط بن المنهج نفسه والمنتمين له والذين قد يسيئون أحيانا فهمه أو التعامل فيما بينهم, ومن اساليبهم أيضا استضافة الإسلاميين والتركيز على نقاط معينة في الحديث معهم لتخويف أصحاب الديانات الاخرى أو تخويف الخارج منهم وترتيب المداخلات على هذا النحو فيظهر الإسلاميون في صورة من لا يمتلك برامج شاملة للإصلاح وأن كل ما يهدفون إليه عند وصولهم للحكم هو قطع يد السارق وفرض الحجاب...

 

يتكلم الكثير من أعداء التيار الإسلامي في عالمنا العربي على تجارب في بعض البلدان ويحذرون الناس على خلفيتها من التيار الإسلامي ومن هذه الامثلة السودان وهو مثال شديد الظلم للتجربة الإسلامية لأن السودان لم يتح له المضي في تجربته حيث عانى بشدة من الحصار الاقتصادي والسياسي كما تعرض لمؤامرات عالمية ساعدت فيها أطراف إقليمية بعضها عربي لتفتيت أراضيه وبالتالي لا يمكن أن يكون مثالا صالحا للاستشهاد به, كما يستدل البعض الآخر بإيران وهو مثال بعيد تماما عن الموضوعية لأن التيار الإسلامي في عالمنا العربي تيار سني يختلف في أصوله العقدية والمنهجية تماما عن نظام ولاية الفقية الشيعي في إيران حتى وإن تورط بعض الإسلاميين أحيانا في الحديث الإيجابي عن النظام الإيراني.