أنت هنا

العقوبات العربية.. بين ماضي الجامعة ومستقبلها
6 محرم 1433
موقع المسلم

إذا استثنينا عصابة الأسد في دمشق وسيدها الصفوي في طهران وشريكيها القديم  في لبنان والمستجد في العراق فإن المنطقة العربية استقبلت قرار المجلس الوزاري العربي إنزال عقوبات اقتصادية في حق ديكتاتور الشام وبطانته بحفاوة بالغة وترحيب شديد لا يشوبه غير انتقادات الثوار السوريين  وكثير من العرب والمسلمين التأخر في صدور القرار نحو تسعة شهور، والمطالبة بسقف أعلى كطرد سفراء النظام من العواصم العربية والاعتراف بالمجلس الوطني السوري...

 

وفي سياق تلك المشاعر وردود الأفعال، كثر الحديث بعد ساعات من صدور القرار بصيغة الندم على ما فات من عمر العمل العربي المشترك، مثل: ألم يكن في وسعنا اجتناب كثير من كوارثنا لو أن النظام العربي الرسمي امتلك منذ نصف قرن هذه الجرأة في التصدي لأي عضو فيه يتجاوز الخطوط الحمراء ويفتك بشعبه، ليقول له بالفم الملآن: قف عند حدك!!

 

أليس ذلك من باب النصح الواجب الذي يليه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأن ينصر المسلم أخاه ظالماً كان أم مظلوماً، مثلما جاء في الهدي النبوي الكريم، بأن نساعده في إزالة الظلم عندما يكون ضحية للجور، وبأن نأخذ على يديه إذا كان متعدياً حدود الحق؟
مثل هذه التساؤلات مرفوضة-على نبل مقاصد أصحابها-لسببين:أولهما: أن (لو) تفتح عمل الشيطان وقد تتضمن-في بعض الأحوال- نوعاً من السخط على أقدار الله تعالى، والثاني:أنها تتجه إلى الماضي الذي يستحيل على الخلق أن يستعيدوه مهما فعلوا.

 

لذلك ينبغي للحكماء انتهاز هذه الفرصة الطيبة، لطرح الأسئلة الصحيحة  النافعة، وأبرزها:
= هل هذه العقوبات العربية على نظام بشار-وهي خطوة رائدة وغير مسبوقة-هل هي أقصى ما يستطيعه العرب نصرة لدماء الشعب السوري المظلوم؟
= هل هناك حقاً عقوبات اقتصادية  تؤذي نظام الطاغية ولا تمس حياة الشعب المغلوب على أمره؟
= هل انتهى الدور العربي هنا؟وإذا كان الجواب:نعم، فهل سبب ذلك استقالة الحكومات من واجبها لعدم رغبتها في تحمل المسؤولية أم لعجزها  فعلاً عن اتخاذ خطوات أكثر حزماً وأعمق تأثيراً؟
= ما  أهمية القرار الأخير في مسيرة العمل العربي المشترك؟

 

ابتداء، فإن ملايين السوريين والعرب يتطلعون إلى قرارات أكثر فاعلية من العقوبات الاقتصادية ،  بالرغم من استقبال هذه العقوبات بكثير من الارتياح والتقدير، لأن الشعور الشعبي السائد كان متشائماً من أن تتخذ الجامعة العربية أي موقف جاد في مواجهة السادية الأسدية الدموية.

 

فالعقوبات الأخيرة ضد نظام دمشق تظل سابقة تاريخية غير مسبوقة، فالنمط التقليدي في مسار الجامعة هو نوع من التضامن العصبوي بين الحكومات العربية، على مبدأ:انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً ولكن بصيغته الجاهلية التي كان شعارها:
     لا يسألون أخاهم حين يندبهم           في النائبات على ما قال برهانا
وكذلك:
      وما أنا إلا من غَزِيّةَ إِنْ غَوَتْ          غَوَيْتُ وإن تَرْشُدْ غزيّةُ أَرْشُدِ

 

وبعبارة أكثر دقة وصراحة:فإن قرار العقوبات إنجاز مهم يصح اعتباره نقطة انطلاق حيوية لجامعة الدول العربية في عصر الشعوب في حقبة الربيع العربي، إذا نظرنا على القرارات بمنظار ماضي الجامعة الفاشل، لكنه عمل ضئيل بل إنه محدود للغاية عند النظر إليه من زاوية  تطلعات الشعوب في الدول الأعضاء.

 

 

فالمهم أن تتحرر الجامعة من إرثها الثقيل الذي تُجْمِع الشعوب على النفور منه والاستهزاء به،  إذا أرادت البلدان العربية أن تدخل عصر التعاون الجاد والمثمر الذي يخدم نهضتها ومصالحها الإستراتيجية خدمة فعلية، بدلاً من مرحلة التنسيق  ضد الشعوب في مجالات القمع الأمني والطمس الإعلامي.فمصالح شعوبنا متطابقة وليست متنافرة، ويمكن تحقيق مستويات رفيعة من التعاون النافع مع احتفاظ كل بلد بخصوصيته وملامحه الذاتية.وإلا فهل من عاقل لا يرى أننا أجدر بالاتحاد في مجالات الثقافة والاقتصاد والسياسة الخارجية من منظومة الاتحاد الأوربي التي عاشت حروباً ضروساً في ما بينها على امتداد قرون من الزمن بتكلفة بشرية ومادية رهيبة، وليست هنالك لغة تجمع شعوبها الكثيرة ولا تاريخ مشتركاً يحظى بتقديرها مجتمعة؟