
يبدو أن الأقباط استجابوا وبشكل هائل للدعوة التي وجهها شنودة الثالث بطريرك الكرازة المرقسية للتصويت في الانتخابات البرلمانية المصرية بل وانتخاب أشخاص بعينهم من الأقباط والشخصيات العلمانية المدرجين على قائمة "الكتلة المصرية" التي يدعمها حزب المصريين الأحرار بزعامة الملياردير القبطي نجيب ساويرس الذي أخذ بدوره يحشد الناخبين النصاري وحتى المسلمين بكل السبل لاختيار الكتلة وعدم التصويت للعدو اللدود وهو حزب الحرية والعدالة الذي يتزعم قائمة "التحالف الديمقراطي" والتابع لجماعة الإخوان المسلمين المتوقع أن تحقق فوزا كاسحا في الانتخابات على غرار ما حققه الإسلاميون في تونس بعد الثورة.
فقد شهد يوما التصويت في المرحلة الأولى من الانتخابات "التاريخية" في مصر، توافد مكثف من الأقباط بكل طبقاتهم في القاهرة وباقي المحافظات خاصة الصعيد على صناديق الاقتراع استجابة لتعليمات البابا الذي طلب منهم أن يصوتوا لصالح المرشحين الأقباط -أيا كانت طائفته في قائمة الكتلة- وإذا لم يكن هناك مرشحون أقباط، فعليهم التصويت لمرشحى أحزاب "المصريين الأحرار" و"التجمع" و"المصرى القومى" وإن لم يكن هناك مرشحون من هذه الأحزاب فيصوتوا لليبراليين، محذرا من التصويت لـ "الإخوان المسلمين" والتيارات الإسلامية الأخرى ومشددا أيضا على أن ضرورة أن يكون الأقباط كتلة تصويتية مؤثرة فى الانتخابات، بحسب مصادر كنسية.
وأمام الكثير من اللجان الانتخابية كان حشد الكنيسة واضحا لأقباطها حيث وقف القساوسة وحتى الراهبات يدعون المواطنين للتصويت لصالح قائمة الكتلة وحزب المصريين الأحرار في خرق لقواعد الدعاية الانتخابية، فضلا عن الحافلات التي خرجت من الكنيسة والتي كانت تقل الأسر المسيحية ( من بينهم عجزة ومسنين محمولين على مقاعد ) منذ الصباح الباكر للجان وحثهم على انتخاب مرشحي الكتلة. وجاء ذلك رغم نفي الكنيسة دعم أي قائمة في الانتخابات.
ولا يخفى ساويرس تخوفه المزعوم المتكرر بشأن تحول مصر إلى دولة دينية أو "إيران أخرى" على يد الإسلاميين خاصة من جماعة الإخوان وهو ما سيكون "كارثة" على الأقباط الذي يدعي أنهم "سيحرمون من حقوقهم" على يد الأحزاب الإسلامية إذا تمكنوا من الوصول للسلطة، وقد قالها ساويرس في حديثه لقناة سي بي سي الأمريكية إنه "سيقاتل في البرلمان المقبل لتشكيل معارضة وأنه لن ينسحب أمام دولة دينية".
بوادر هذا القتال كان واضحا خلال الدعاية والحشد الهائل الذي قام به حزب المصريين الأحرار الذي أنفق30 مليون جنيه على الدعاية الانتخابية, دفع منهم ساويرس ثلثهم ليحشد بشكل قانوني وغير قانوني الأقباط ومن يسميهم الليبراليين المسلمين والبسطاء من الديانتين للتصويت لصالح حزبه أو قائمة الكتلة.
ففي مخالفة صريحة لقرارات اللجنة العليا للانتخابات بوقف الدعاية الانتخابية للأحزاب والمرشحين قامت شركة موبينيل المملوكة لساويرس بدعم مرشحي الكتلة عبر إرسال رسائل نصية إلى الناخبين المشتركين بشبكة موبينيل لدعم قوائم الكتلة المصرية، كان نصها "لمصر مصرية دايما أبية اختار الكتلة المصرية للفردي والقوائم رمز العين".
وعلى أبواب الكثير من اللجان الانتخابية كانت هناك وجبات الطعام من "كنتاكي" وكراتين المواد الاستهلاكية التي وزعها أنصار ساويرس على الناخبين قبل دخولهم للانتخاب ، فضلا عن الأموال وأنابيب البوتاجاز التي كان يتم توزيعها على البسطاء في الأحياء الفقيرة في مقابل حثهم على التصويت لصالح الكتلة.
لكن مراقبين للشأن المصري رأوا أن المرشحين الأقباط ارتكبوا ما يشبه "الغلطة السياسية" بظهورهم وانتشارهم اللافت الكثيف ودعاياتهم الفجة المبالغ فيها، وهو ما جعل الكثير من المسلمين من التيارات الليبرالية يرفضون انتخابهم خوفا من أن يكون لهم أهداف خفية ، خاصة مما رأوه من أموال ضخمة ينفقونها على الدعاية.
وإلى جانب احتدام المنافسة بين حزب الإخوان وحزب ساويرس للوصول للبرلمان، كان هناك جدلا آخر أثاره اللواء ممدوح شاهين عضو المجلس العسكري بتصريحه عن أن البرلمان المقبل لن تكون هناك سلطة له على الحكومة، وهو ما رفضته قيادات الحرية والعدالة مؤكدة أن البرلمان هو المعنى بتشكيل الحكومة، وهو الذى سيناقش ميزانية الدولة والحساب الختامى للحكومة، وأى حديث غير ذلك هو كلام خارج السياق تماما، الأمر الذي قد يثار بعد انتهاء الانتخابات.
وبانتظار نتائج أول انتخابات ديمقراطية من نوعها في مصر لحسم الكثير من القضايا الجدلية والاشكاليات وتحقيق الاستقرار الذي يأمله المصريون وتسلم السلطة من المجلس العسكري لكي نستطيع وقتها أن نقول إن الثورة قد نجحت، فهل يكتمل لها النجاح؟