أنت هنا

الانتخابات التونسية الكاشفة
28 ذو القعدة 1432
موقع المسلم

بعد عقود من فرض العلمانية في تونس بالقهر والإرهاب والاستبداد، يعلن التونسيون توقهم لحكم يستمد أحكامه من الإسلام، بتصويت كثيرين من ناخبيهم إلى جانب حزب حركة النهضة التونسية، أقرب الأحزاب التونسية إلى الفكرة الإسلامية.

 

يحمل ذلك العديد من الدلائل؛ فهو بالأساس يبرهن على أن تلك العقود لم تنل حقيقة من المشاعر الإسلامية التي تدفقت مع الانتخابات التونسية لتمنح النهضة الحظ الأعلى من الأصوات لأي حزب في هذه الانتخابات، الذي تفوق بمقدار الضعف على الحزب الذي يليه في الانتخابات، هذا إضافة إلى ارتفاع شعبية حزب آخر في الانتخابات هو حزب يتبنى الشعارات العروبية ولا يرفع شعارات حدية ضد الهوية التونسية الحقيقية، وهو ما يجعله الأقرب إلى النهضة في الائتلاف المتوقع. ومعنى ذلك أن الانتصار للهوية الإسلامية والعربية لتونس كانت هي السائدة على الناخبين التونسيين بغض النظر عن طريقة تفسيرهم لكيفية تحققها أو مدى انطباق ذلك مع الفكرة الإسلامية الأصيلة.

 

وهذه "المقاربة الإسلامية" التي عبر عنها التونسيون مثلما عبر عنها الأتراك من قبل تدل بجلاء على أن القاعدة المضطردة في كل بلدان العالم الإسلامي تقريباً هي الرغبة في العودة إلى الإسلام حكماً ونظاماً وطريقة حياة مهما كان تفاوت الأحزاب الممثلة لتلك الرغبة في تحقيقها وتطبيقها من خلال برامج تحاول ألا توازن وتحاسب بغية التمكن من إعادة كل أو شيء من الإسلام إلى واقع المسلمين في بلدان تتفاوت هي الأخرى في مدى علمانية أنظمتها السابقة.

 

ونحن هنا نتحدث عن تونس التي كان الحجاب فيها ليس ممنوعاً فحسب بل مجرّماً، وكانت المتمسكات به يلاحقن في الطرقات قبل أقل من عام، وكانت الصلاة بالمساجد فيها مدعاة للشك في "وطنية" صاحبها ومدى انتمائه إلى هذا البلد الإسلامي العريق!

 

وفي بلد "متوسطي" يعد الأقرب إلى أوروبا جغرافيا ـ بعد المغرب ـ في الشمال الإسلامي الإفريقي، وبينه وأوروبا تفاعل كبير، ويعد من أبرز دول جنوب المتوسط أسراً لألباب السياح الأوروبيين، ويجسد أحد أبرز أوجه "الحداثة الأوروبية" في الشمال العربي الإفريقي؛ وهو بذلك الأبعد حقيقة عن "شبهة" التغرير به باسم "الشعارات الدينية" مثلما يحلو لعلمانيي العرب أن يدعو ويسفهوا من شعوبنا الإسلامية والعربية حين يدعون أنها ساذجة بلهاء يستخف بعقولها "الإسلاميون" ويغررون بها لجرها إلى برامجهم، ومن ثم فإن هذا الشعب التونسي الواعي والمثقف بدرجة كبيرة ليس في وارد "التغرير" كما يزعمون عن الآخرين في بلدان أخرى، وليس فقيراً لدرجة تجعله "يلجأ إلى الدين للصبر على فقره" كما يتخرصون أيضاً، وإنما هو شعب منفتح ومطلع على الثقافات الأخرى بدرجة عالية ربما تفوق النخبة المتغربة في بلدان أخرى، لكنه مع ذلك اندفع تأييداً لما يراه ممثلاً للفكرة الإسلامية مستعد لتطبيقها وفقاً لرؤيته الذاتية.

 

نعم، هو فعل ذلك رغم أن نظام بن علي ومن قبله عملا بكل قوة على محو الهوية الإسلامية، وتفنن الأخير في كل أنواع التعذيب والإقصاء الممكنة لنشطاء النهضة حتى حمل من نجا منهم من السجن الرهيب على اللجوء للخارج أو الانزواء في الداخل، كما لم يوفر النظامان جهداً إعلامياً وتعليمياً لتهميش الإسلام وتشويه صور حملته ودعاته ونشطائه، ونالت النهضة القسط الأكبر من ذلك، بما يخرس كل لسان يقول "إن الإسلاميين هم الأكثر جهوزية للحياة السياسية من غيرهم وأننا كعلمانيين لا نحظى معهم بفرص متساوية لمخاطبة الشارع"!
الأهم في الدلالة التونسية، أن المجتمعات المنفتحة مثلها مثل المحافظة في دولنا الإسلامية جميعها تواقة في عودة الإسلام، وأنها متى وجدت الباب مشرعاً للتعبير عن رأيها، وتحديد خياراتها ستختار الإسلام، مع تسليمنا بأي من القوى الإسلامية السياسية لا تتطابق حرفياً بطبيعة الحال مع كل ما يقصده الإسلام، وأن كل بني آدم خطاء..