تونس: خارطة طريق اقتصادية للمجلس التأسيسي القادم
18 ذو القعدة 1432
عبد الباقي خليفة

تمثل البطالة في تونس هاجسا مشتركا لكل الفعاليات السياسية والاقتصادية بالبلاد، حيث يوجد 700 ألف عاطل عن العمل، بينهم نحو 170 ألفا من حملة الشهادات العليا، ويزيد من هذا الهاجس وضع الاقتصاد الدولي الذي ينعكس بدوره على مردود قطاع السياحة وبالتالي الصناعات التقليدية التي تستفيد من هذا القطاع الهام والحيوي في تونس. لا سيما وأن الخبراء يشيرون إلى أن عام 2012 م سيكون أولى فترات الإنكماش الإقتصادي وبالتالي توقع انكعاسات غير مطمئنة على وضع التشغيل والشؤون الإجتماعية والدخل المالي الوطني العام. وفي هذه الإطار وضعت الحكومة الإنتقالية برئاسة الباجي قائد السبسي، مقترحا وصف ب" استراتيجية التنمية الاقتصادية والاجتماعية" وتحمل 10 أفكار أساسية لتحقيق الإزدهار الإقتصادي والعدالة الإجتماعية. وذلك سعيا منها للاستجابة على المدى المتوسط للحاجيات المختلفة ، والمساهمة في ايجاد فرص عمل والنهوض بالبلاد اجتماعيا واقتصاديا والحفاظ على السلم الأهلي.

 

وتتركز الأفكارالعشرة حول،" انجاز برنامج فوري يركز على 3 قواعد هي اعطاء الحركية للنشاط الإقتصادي، وإدخال اصلاحات سريعة لتحسين أداء الحكومة على المستويين المحلي والمركزي، وجلب تمويلات خارجية إضافية.أما البرنامج الإقتصادي الفوري فيتضمن 4 قواعد وهي ، تكثيف بعث فرص عمل،بما لا يقل عن 30 ألف فرصة للشباب في القطاع العام، وبعث مشاريع في مجال تقنيات الاعلام والاتصال في إطار الشراكة بين القطاعين العام والخاص. وتطوير التنمية الجهوية بتخصيص أموال إضافية من ميزانية الدولة توجه للجهات الداخلية ، وإعطاء دفع جديد للتمويل الخاص. وتعزيز التدخلات الاجتماعية لتحسين ظروف العيش في الجهات المحرومة وتحسين الظروف الأمنية الكفيلة باعطاء دفع جديد للنشاط الاقتصادي.

 

ويهدف برنامج الإصلاحات قصير المدى إلى تعزيز الإطار المؤسساتي والشفافية والتسيير الإداري والمالي وإلى اعتماد مقاربة معينة للتحقق من التوجيه الصحيح للمساعدات الإجتماعية. أما مخطط التمويل الخارجي قصير المدى فهو يهدف إلى تجنيد الموارد المالية العامة التي يقع خلاصها سريعا وإلى العمل على حصر الديون في مستوى معقول.

 

وتغطي" استراتيجية التنمية" الفترة الممتدة ما بين 2012 و2016 م أي لمدة 5 سنوات، وتهدف إلى التأسيس لنظام تنموي يضمن لتونس الرفاهية والعدالة الإجتماعية، وذلك من خلال" بناء الثقة بالاعتماد على الشفافية والمسؤولية الاجتماعية والمشاركة الوطنية" و" ضمان نمو داخلي متوازن" و" تغيير هيكلة الاقتصاد بالاعتماد على العلوم والتكنولوجيا" و"بعث ديناميكية داخلية من شأنها تنمية الانتاجية والخلق والمبادة الحرة" و" اخراج البلاد من التقوقع ووضعها في دائرة عاملية عميقة ومتحركة "و" تكوين المهارات الوطنية واستعمالها بتونس وجلب أكبر المهارات العالمية وتعزيز عملية التشغيل" و" ضمان التمويل المطلوب للتنمية" و" تحسين وضع الشأن العمومي والعمل المدني" و" الاستعمال الأقصى لمواردنا والمحافظة على المحيط".

 

ورغم الطابع الإنشائي للمبادرة أو الإقتراح إلا أن الحكومة ترى بأن هذه الاستراتيجية المكررة للكثير من المصطلحات والعموميات من شأنها تحقيق نسبة نمو تصل إلى 3،6 في المائة وبلوغ 9746 دينارا ( الدينار نصف يورو تقريبا) كدخل سنوي فردي، وايجاد 500 ألف وظيفة حتى ينخفض معل البطالة إلى 5،10 في المائة سنة 2016، ويتكفل القطاع العام بايجاد 100 ألف فرصة عمل في الفترة الفاصلة بين 2012 و 2014 م في انتظار زيادة الطلب على اليد العاملة في القطاع الخاص" ويمكن بلوغ 575 ألف فرصة عمل إذا كانت الظروف الإقتصادية أحسن مما هو متوقع".

 

وتنقسم ( الاستراتيجية ) إلى ثلاث مراحل استعجالية، وانتقالية، وصعود، ومن الاستعجالي" الاستجابة للطلبات قصيرة المدى في ما تبقى من سنة 2011 وسنة 2012 م وذلك باللجوء إلى مساعدة الجهات والوظائف والوقوف إلى جانب المؤسسات الإقتصادية وتقديم المساعدات الإجتماعية وإعادة التوازن الإقتصادي والمالي وذلك لتهيئة المرحلة المقبلة.
وبخصوص "الانتقالي"، فهو" بلوغ نسبة نمو ب 5 في المائة ومحاولة الاقتراب من 6 في المائة في سنتي 2013 و2014 م ببذل جهد استثنائي وادخال اصلاحات عامة في مختلف المجالات السياسية و الاقتصادية والاجتماعية .

 

أما"الصعود" فيبدأ وفق المقترحات " من عام 2015 م" ب" الدخول في توجه موحد مع الدول المتقدمة والعمل على بلوغ نسبة نمو ب 7 في المائة". وترهن المقترحات نجاح الخارطة ب" الرفع من الأنشطة ذات النسبة العلمية والتكنولوجية المرتفعة في الناتج الوطني الخام تعادل 30 في المائة عام 2016 و50 في المائة بالنسبة للتصدير". و" مضاعفة المنتوجات والخدمات لبلوغ 60 مليار دينار( نحو 30 مليار يورو ) عام 2016 م والرفع من من حصتها( المنتوجات ) في التنمية إلى نسبة 40 في المائة " و" العمل على استقطاب استثمارات دولية يبلغ حجمها ثلاث مرات ما هي عليه الآن لتبلغ 9،21 مليار دينار من الناتج الداخلي الخام" وفي هذا الإطار فإن البرنامج يقترح تحديد عجز الميزانية ب 4 في المائة من الناتج الداخلي الخام والعجز الجاري بنسبة 5 في المائة من نفس الناتج والرجوع بهما إلى 3 في المائة و1،3 في المائة عام 2016. وعلى المستوى الاجتماعي يقترح البرنامج يقترح البرنامج تحسين مؤشر التنمية البشرية ليبلغ 733،0 عام 2016 م مقابل 683،0 عام 2010 م وهذا في علاقة مع الهدف الذي يجب بلوغه وهو ضمان مقومات النهوض الاجتماعي لكافة فيئات المجتمع وخاصة في مجالات الصحة والتربية ومستوى العيش.

 

في سياق متصل بلغت الصادرات التونسية خلال الأشهر الثمانية الأولى من العام الجاري حوالي 16862،9 مليون دينار مقابل 15423،4 مليون دينار خلال نفس الفترة من السنة الماضية أي بزيادة 9،3 في المائة. وبلغت قيمة الواردات 21787،8 مليون دينار تونسي مقابل 20957 مليون دينار من نفس الفترة السنة الماضية. وتقدر بالتالي نسبة تغطية الواردات للصادرات ب77،4 بالمائة مسجلة بذلك تحسنا ب 3،8 نقطة مقارنة بنفس الفترة من سنة 2010م . وكان وزير التخطيط والتعاون الدولي في الحكومة الإنتقالية عبدالحميد التريكي قد توقع في وقت سابق تحقيق نسبة نمو تترواح بين 0،2 و1 في المائة خلال العام الجاري. وفي ما يتعلق بالاستثمار أعرب الوزير عن تفاؤله حيال الاستثمار الصناعي الذي بلغ نسبة 22،2 في المائة وتطور نسقه في مناطق التنمية الجهوية بنسية 38،4 في المائة .

 

وبخصوص ميزان المدفوعات الخارجية أوضح أنه سيشهد عجزا بنسبة 5،7 في المائة نهاية 2011 ، فقد اتسم النمو بتراجع سلبي للانتاج في قطاعات النفط بنسبة 14،4 في المائة وقطاع الإسمنت بنسبة 6،4 في المائة كما انخفظت الليالي السياحية المقضاة بحوالي 47 في المائة . وقد عملت الحكومة على الرفع من رسوم الكهرباء ليرتفع المردود بنسبة 1،9 في المائة بينما تطورت قطاعات الاتصالات والتجارة والنقل إضافة إلى ارتفاع حجم المقابيض بعنوان الأداء على القيمة المضافة خلال الشهر السادس من العام الجاري بأكثر من 100 مليون دينار.

 

وعلى صعيد الانتاج الموسمي في تونس، يتوقع أن تبلغ كميات التمور لهذا العام بولاية توزر لوحدها 45 ألف طن. 
بخصوص مقترحات الحكومة يرى خبراء أنها بنيت على فرضيات، بينما الأداء الحقيقي هو ما ستفرزه لغة الأرقام في الواقع الموضوعي، بيد أن الحكومة القادمة التي سيفرزها المجلس التأسيسي هي من ستتعامل مع الفرضيات والواقع معا.