معركةُ المُصحفِ في سِجنِ صيدنايا
8 ذو القعدة 1432
محمود سليم

يوم السَّبت: 5/ تموز- يوليو/ 2008م، اعتدى عناصر من الشُّرطة العسكرية، المنتمية للطَّائفة النُّصيِّرية، العاملة في سجن صيدنايا، على السُّجناء الإسلاميين السِّياسيين، حيث قاموا بأخذ نسخ من القرآن الكريم، بقوة وغلظة من أيدي الإسلاميين، ورموا نسخ كتاب الله أمامهم على الأرض، وقاموا بوطئها بأحذيتهم الغليظة، فهبَّ أسود الشَّام نصرة لكتاب الله، ووقعت بينهم معركة ضروس، استمرت أشهراً، حيث أعلن الإسلاميون عصياناً عامَّاً، واستطاعوا السَّيطرة الكاملة داخل السِّجن، وأذاقوا أعوان النِّظام درساً لن ينسوه، ولكنَّ المجرمين كانوا يطلقون الرَّصاص الحيَّ، على النُّزلاء العزَّل، فراح نتيجة ذلك عدداً من الشُّهداء، من خيرة شباب الشَّام.

 

وقد أكَّد عمَّار قربي، رئيس المنظمة الوطنيَّة، لحقوق الإنسان في سوريَّة، أنَّه: لا توجد حتَّى الآن أرقام دقيقة، عن عدد القتلى أو الجرحى، بسبب انقطاع الاتِّصال مع السُّجناء، ومصادرة جميع الأجهزة الخلويَّة التي كانت بحوزتهم، من قبل الشُّرطة، كما فصلت سلطات السِّجن، بين السُّجناء الذين ليس لهم علاقة بالاحتجاجات، وبين المحتجين، وفرضت طوقاً أمنيَّاً صارماً على السِّجن.

 

وحول ما تردَّد من أنباء، عن وقوع عشرات القتلى والجرحى، قال عبد الكريم ريحاوي، رئيس الرَّابطة السُّورية للدِّفاع عن حقوق الإنسان: لا نستبعد وقوع عدد من القتلى، بسبب استخدام الرَّصاص الحيِّ، من الشُّرطة العسكرية، وقد شوهدت سيارات الإسعاف، التي تنقل الجرحى إلى المستشفى، وهي تدخل وتخرج من السِّجن بكثافة، لكنَّنا لم نستطع الاتصال مع السُّجناء، أو الجرحى، ومُنِعْنَا من دخول مستشفى تشرين العسكري، حيث نقل إليه المصابين.

 

رغم كلِّ التَّعتيم الإعلامي في سوريَّة حول القضية، أكدت مصادر حقوقيَّة سوريَّة، وقوع عشرات القتلى، والجرحى، في مواجهات بين معتقلين سياسيين، والشرطة العسكرية، في سجن صيدنايا، الوقع في قرية صيدنايا الجبلية، الواقعة شمالي العاصمة السورية دمشق، بالقرب من مدينة التَّل، ويقع تحت الجبل الكبير، ويتَّسع لأكثر من 15 ألف سجين. ويُعد سجن صيدنايا من أكبر وأحدث السجون السُّوريَّة، حيث أنهت الحكومة بناءه عام 1987م. ويتكوَّن المبنى من ثلاثة طوابق، ويضمُّ كلُّ جناح في كل طابق عشرين زنزانة جماعية، ويحتوي الطَّابق الأول على 100 زنزانة انفراديَّة، وهذا السِّجن، يعرف بأنَّه سجن لمعتقلي الرأي، والسِّياسيين من كافَّة التَّوجهات.

 

ذكر لي شاهد عيان، من قلب الحدث قائلاً: بدأت الاشتباكات، عندما قام الحراس بوضع نسخ المصحف الشَّريف، الموجودة بحوزة المعتقلين على الأرض، وداسوا عليها أكثر من مرَّة، وهذا التصرُّف، أثار احتجاج المعتقلين الإسلاميين، الذين تدافعوا نحو الشُّرطة لاسترداد نسخ المصحف منهم، ففتح حينها عناصر الشُّرطة العسكرية النَّار، وقتلوا تسعةً منهم على الفور، وهم: زكريا عفاش، محمد محاريش، محمود أبو راشد، عبد الباقي خطاب، أحمد شلق، خلاد بلال، مؤيد العلي، مهند العمر، خضر علوش.
إثر ذلك عمَّت الفوضى في السجن، لا سيَّما وأنَّ المعتقلين تلقوا تهديدات بمجزرة على غرار مجزرة تدمر الذائعة الصيت، فبادروا إلى خلع الأبواب، وخرجوا للتَّصدِّي للشُّرطة العسكرية التي فتحت عليهم النَّار مجددًا، ممَّا أوصل عدد القتلى إلى نحو 25 قتيلاً.

 

وتابع شاهد العيان قوله: لقد كان عدد المعتقلين في سجن صيدنايا العسكري أكثر بكثير من عدد الشُّرطة العسكرية، لذلك استطاعوا توقيفهم، واتَّخذوهم رهائن مع مدير السجن، وضباط آخرين، وخمسة برتبة مساعد أول، فاستسلم جميع من كانوا بداخل السجن.
لكن!! بقيَّة كتيبة الشُّرطة العسكريَّة، المرابطة حول السجن، مع التَّعزيزات التي وصلتهم فورًا، قاموا بإطلاق القنابل المسيِّلة للدُّموع، والقنابل الدُّخانية داخل السِّجن، فهرب المعتقلون إلى سطح السِّجن، وبقوا هناك حتَّى السَّاعة الثَّالثة بتوقيت دمشق، واستقدمت السُّلطات الأمنيَّة السُّوريَّة حوالي 30 دبابة ومدرعة، بالإضافة إلى عدد كبير من قوات حفظ النِّظام، ومكافحة الشَّغب المعزَّزة بالقنَّاصة، والآليَّات، والدُّروع.

 

وعند ظهر السَّبت، بدأت عمليَّة تفاوض بين المعتقلين وقوات الأمن، فانتدب المعتقلون السجين سمير البحر(60 سنة)، لنقل الرَّسائل المتبادلة بينهم وبين الأمن، كان مطلب المعتقلين الوحيد، هو الحصول على وعد قاطع بعدم قتلهم، في حال استسلامهم، وقدَّموا على ذلك دليلاً بحسن النِّية، أنَّهم لم يستخدموا السَّلاح الذي وقع بأيديهم، وأنَّهم مسالمون، وأنَّهم احتجُّوا فقط، على الإهانات، والإساءات، التي يتعرضون لها، وتدنيس الشُّرطة لكتاب الله!!.

 

وأضاف شاهد العيان قائلاً: السُّلطات من جهتها، رفضت منحهم أي وعد بعدم قتلهم، أو إيذائهم، وطالبتهم بالاستسلام فورًا، وإطلاق الرَّهائن، ثم يتحدَّثون بباقي القضايا. وهدَّدت السُّلطات باقتحام السِّجن، ودخوله بالقوَّة، ولو وقع ألف قتيل، في حال استمرّ الرَّفض، ونقل المعتقل المراسل سمير البحر، رفض المعتقلين، فقاموا بضربه، وأخذوه في سيَّارة مصفَّحة بعيدًا عن السِّجن، واستمرَّ العِصيان أشهراً، حتَّى أتى الجزَّار بن الجزَّار، ماهر الجحش، وانقضَّ بكلِّ وحشيَّة، وقتل الكثير الكثير من الشُّرطة والمعتقلين، لأنَّه في دولة البعث، لا يُسأل عما يفعل، لأنَّه صاحب المزرعة، ومَن داخل المزرعة عبيد له، يفعل بهم ما يشاء، وقد رآه شاهد العيان، وهو يدوس بقدميه على جثث المعتقلين الإسلاميين السياسيين الشُّرفاء، ونسخ القرآن الكريم ملقاة على الأرض، وحولها دماء الشُّهداء، وبعض نسخ القرآن نالها شيئاً من دمائهم.
وقد نزَّل بعض النَّاشطين، على اليوتيوب مقطع فيديو للجزَّار ماهر، وهو يصوِّر بيده ما حدث عقب انقضاضه على المعتقلين الإسلاميين، يمكنك أن تراه على اليوتيوب، بالبحث عن: ماهر في سجن صيدنايا.

 

نتائج الإجرام:
أحداث: 27/3/2008م ، كانت بدون قتلى.
أحداث: 5/7/2008م ، كان حصيلتها: 26 قتيلاً و31 جريحاً.
أحداث: 6/12/ 2008م ، كان حصيلتها: 5 قتلى و17 جريحاً.

 

شيَّدت الحكومة السُّوريَّة السِّجن أساساً، لاستيعاب مرتكبي الجرائم الجنائية، لكنَّها فتحته من أول يوم، ليستقبل المعتقلين السياسيين، وفي السِّجن مكاتب للتَّحقيق مجهَّزة بأحدث أدوات التَّعذيب وأكثرها تطوراً. لم تتحدث المعلومات التي رشحت مؤخراً، من سجن صيدنايا، عن ممارسة التَّعذيب، على الرَّغم من ممارسته في هذا السجن في فترات سابقة، أدت حسب شهادات منظمات حقوق الإنسان إلى وفاة كثير من المعتقلين تحت التَّعذيب.

 

بل إنَّ بعض الذين مرُّوا على فرع فلسطين، وسجن صيدنايا، يعتبرون سجن صيدنايا استراحة، بالمقارنة بجحيم فرع فلسطين؛ فالمعتقلون ينقلون إلى هذا السجن، بعد انتهاء التَّحقيق معهم في الفروع الأمنية، مثل فرع فلسطين، أو فرع المنطقة، أو فرع الجمارك، وكلها في دمشق، أو من فروع المحافظات الأخرى. وفي تلك الفروع يصبُّ على رأس الموقوفين، كل أنواع التَّعذيب التي يشرف عليها محققون من الأجهزة الأمنية الرئيسية: العسكرية، وأمن الدولة، والسياسية، بالإضافة إلى التَّفريعات الأخرى. وبعد الفراغ من التَّحقيقات التي قد تدوم شهوراً، وبعضها قد يدوم سنوات، يُنقل المعتقلون إلى سجن صيدنايا، سواء صدر حكم بحقِّهم أو بانتظار النُّطق به. وقد يستدعى المعتقلون إلى فروع المخابرات، والأجهزة الأمنية، إذا اقتضى الأمر، وهناك يلقون نصيبهم من التَّعذيب، وسوء المعاملة مرَّة ثانية.

 

 

اللهم عليك ببشار وماهر، ومن يلوذ بهما من الظَّالمين، فإنَّهم لا يعجزونك..
اللهم عليك بهم يا حي يا قيوم!! يا ذا الجلال والإكرام!!.
اللهم إنَّهم طغوا في بلاد الشام، فأكثروا الفساد، فصُبَّ عليهم سوط عذاب..
اللهم أرنا بهم عجائب قدرتك، وعظيم جبروتك، لا تدع لهم طائرة في السَّماء إلا أسقطتها، ولا بارجة في البحر إلا أغرقتها، ولا دبَّابة على الأرض إلا أحرقتها..

 

يا ربِّ تخلَّى عن شامك القريب والبعيد، وأهل الشَّام لاذوا بجنابك، وأناخوا مطاياهم ببابك، فلا تردَّهم عن جنابك، فإن رددتهم فإنَّهم لا حول لهم ولا قوة إلا بك، لا تردهم خائبين في ثورتهم، فأنت ياربِّ تكفلت لرسولك بالشَّام وأهله..