حتى لا تتحول الثورات النقية إلى انقلابات
4 ذو القعدة 1432
تقرير إخباري ـ خالد مصطفى

قرر الثائرون الذين قدموا حياتهم من أجل تغيير الانظمة المستبدة بشكل سلمي ودون أن يطلقوا رصاصة واحدة أن يوكلوا الجيش ليدافع عن ثورتهم ويحميها حتى يسلمها لمن يختاره الشعب, حدث ذلك في مصر وتونس بشكل طوعي ومن منطلق احترام الشعب للمؤسسة العسكرية التي لم تلوث يدها بالدماء البريئة, ولكن مع مرور الايام بدأت المخاوف تتصاعد بشأن احتمال الاستيلاء على السلطة بشكل أو بآخر أو إطالة الفترة الانتقالية والالتفاف على الثورة وسقوط البلاد في هوة الانفلات الامني والاقتصادي وضياع الحلم لمستقبل أفضل..في البداية صرح القائمون على مقاليد الامور أنهم لن يبقوا في السلطة وأنهم سيعملون على تسليم سريع لها, ولكن الخطوات التي تم اتخاذها بهذا الصدد كانت بطيئة ومرتعشة, كما أن إزالة رواسب الماضي لم تتم بالشكل المطلوب وظل عدد من رموز الانظمة السابقة في مراكزهم وسارت المحاكمات للفاسدين منهم بشكل هزلي في أغلب الاحيان..

 

مصر بالتحديد تمر بمخاض عسير فالحالة السياسية فيها شديدة التعقيد كما أن المجلس العسكري منذ اللحظة الاولى تصدر المشهد تماما وهمّش من دور الحكومة ـ وهي حكومة ضعيفة يصر المجلس على بقائها رغم أنف الجميع ـ ووقع الثوار في عدة أخطاء متتالية منحت المجلس حرية في تحديد الخريطة المستقبلية في معزل عن أصحاب الحق مما أدى إلى إضاعة الوقت وإشاعة الشعور بالإحباط وعدم الامان في الشارع حتى وصل الحال بانتشار أسئلة بريئة على الألسنة وهي: هل المطلوب أن يندم الشعب على القيام بالثورة وتأييدها حتى آخر نفس؟ هل المطلوب أن يقدم الشعب اعتذارا للنظام السابق ويعيده للسلطة بعد أن أثبتت الثورة فشلها في إدارة البلاد؟ من المسؤول عن حالة التخبط التي تمر بها البلاد؟ وما علاقتهم بالنظام السابق؟..

 

لقد جاء تمديد نظام الطوارئ ليضرب في الصميم أهم ركيزة من الركائز التي قامت من أجلها الثورة وهي الحرية, ثم ما معنى أن يتم إحالة منتقدي المجلس العسكري للمحاكم العسكرية مثلما كان يحدث في عصر مبارك  تماما ثم يعود جهاز مباحث أمن الدولة في زي جديد ويمارس نفس مهامه, بعد أن تُرك أسابيع بعد الثورة حتى يحرق جميع المستندات التي تدينه وتفضح جرائمه؟ هل هي مؤامرة أم تخطيط أم خديعة وقع في حبائلها الثوار؟..

 

في الجهة الأخرى تصور الثوار أنهم بإزالة النظام السابق وصلوا لما يريدون وفي الحقيقة كان ينبغي الإبقاء على الحالة الثورية حتى يتم إقامة النظام الجديد فهذا لا يقل أهمية عن إزالة النظام السابق بل أكثر أهمية منه لأن الهدم دائما أسهل من البناء ولا يحتاج إلى نفس طويل مثله والادهى من ذلك هو الخلافات التي وقعت بين الاتجاهات المختلفة التي شاركت في الثورة وساهم على تأجيجها جهات خارجية بزعم "الخوف من وصول المتطرفين للحكم" وهو أمر مبكر استفاد منه أعداء الثورة وكان من المفترض تأجيل جميع الخلافات حتى يقام النظام الجديد وعندئذ يختار الشعب من يريد إما الوصاية على الشعب والاحتماء بالإعلام أو الحكومة المؤقتة أو المجلس العسكري فقد أضعف الحركة الثورية وفتتها وأصبح من الصعوبة بمكان الاتفاق على تجمع جديد لمواصلة المشوار الذي ضاعت معالمه فجأة ..كل جمعة تدعو بعض القوى إلى تجمع ومليونية تعارضها قوى أخرى وتحذر من التجمع, وذلك بعد أن فقد الجميع الثقة في بعضهم البعض وهو ما يصب في مصلحة الطامعين في السلطة بعيدا عن إرادة الشعب..

 

لقد تسربت إشاعات كثيرة في مصر عن إمكانية ترشيح بعض العسكريين في المجلس العسكري للرئاسة خصوصا بعد جولة المشير طنطاوي بالزي المدني لاول مرة في الشوارع فيما يشبه الجولة الانتخابية ورغم النفي الرسمي إلا أن احتمال جس النبض وارد وليس بالضرورة أن يكون المشير أو الفريق ولكن أحدا ما قريب من المؤسسة وهو ما سيكرس لاستمرار نظام وليد من نظام مستبد ويعود بالبلاد إلى نقطة الصفر أو قل "للانفجار" والذي حماها منه قيام الثورة البيضاء.. فهل من مصلحة أحد أن يحول هذه الثورات النقية إلى حروب كما يحدث في بلاد أخرى؟!