أنت هنا

التحدي الغربي في ليبيا.. الإسلاميون
1 ذو القعدة 1432
موقع المسلم

انخرط الإسلاميون الليبيون في الثورة منذ بدايتها، وكان لهم قصب السبق في إعلان تمردهم على نظام العقيد القذافي، وتزايد نفوذهم في العمل الثوري المسلح ضد القذافي مع سيادة التوجه الديني لدى الثوار الميدانيين الذين بيضوا وجه الثورة بتكبيراتهم وصلواتهم ودعواتهم وحسن معاملاتهم لأهل المدن والبلدات المحررة (مع وجود استثناءات وسلبيات محدودة)، وكان من الطبيعي أن يبدو وجودهم جلياً في مرحلة الانتصار لاسيما أنهم كانوا الرقم الأبرز في الثورة الليبية إلى جانب جموع الشعب الليبي المسلم.

 

شاركت فصائل وأطياف سياسية في الثورة الليبية، وانضمت إليها جموع من المنشقين من العسكريين الليبيين، لكن المعارضة الإسلامية التي كابدت النظام الليبي وأجبرت على التعامل المسلح معه قبل سنوات قبل أن تعاود إلى العمل السياسي السلمي عبر سلسلة من المراجعات كان جاهزة لأن تكون في صدارة المدنيين الذين تحولوا إلى العمل المسلح ضد نظام العقيد، وجهوزيتها تلك، ومن ثم ريادتها للعمل المناهض للعقيد، وعدم مناهضتها لتدخل الناتو أزعج القوى العلمانية التي حرصت على بقاء الإسلاميين بعيداً عن الحكم، وعندما كادت الحرب أن تضع أوزارها بدا أن العواصم الغربية آخذة في ترتيب أوضاع لا تسمح بالمسلحين وغير المسلحين الإسلاميين أن يكونوا في صدارة المشهد السياسي الليبي.

 

والواقع أن واشنطن وكبريات العواصم الأوروبية تجد نفسها في حرج بالغ من هيمنة الإسلاميين على كتائب ثورية مسلحة تمكن بعضها من دخول العاصمة الليبية ذاتها تحت إمرة قائد معروف بانتمائه السابق إلى الجماعة الإسلامية المقاتلة وقربه من الداعية الإسلامي الشهير د.علي الصلابي، وهو رئيس المجلس العسكري لمدينة طرابلس عبد الحكيم بلحاج، برغم ما يبديانه من واقعية وحكمة في التعامل داخل الميدان السياسي الليبي، وهو ما يترجم بالتعاطي المباشر منهما حتى مع القوى الغربية سواء في الناتو أو على الصعيد السياسي.

 

انتقاد د.علي الصلابي لأداء المسؤول الليبي القريب من الغرب محمود جبريل، وتوجيهه تحذيرات شديدة اللهجة لمحاولات إقصاء الإسلاميين من اللعبة السياسية الليبية، وتأكيد بلحاج في مقال نشر بذي جارديان على المعنى ذاته بقوله: "يجب أن نقاوم محاولات بعض السياسيين الليبيين الذين يس...عون لإقصاء بعض من شاركوا في الثورة، فقصر نظرهم السياسي يجعلهم لا يرون مخاطر هذا الإقصاء، أو ردود فعل الأطراف التي يجري إقصاؤها". وأضاف "بعد كل ما عانيناه من القذافي، نحن مصممون على عدم السماح لأي فرد أو طرف باحتكار إدارة البلاد، لأن هذا سيعيد إنشاء دكتاتورية جديدة"، يشيان بأن السيل قد بلغ الزبى لدى القياديين الإسلاميين، ويعنيان أن المحاولات تجري على وتيرة متسارعة لإزاحة الإسلاميين عن ريادة المرحلة الانتقالية.

 

يدرك الغرب أن ليبيا دولة صغيرة، وأن "عناد" إسلامييها ـ في نظرهم ـ له حدود، لكنه يخشى من تفرد الحالة الليبية عن أخواتها الثوريات بأنها الوحيدة التي قذفت بالإسلاميين إلى داخل أطر العمل المسلح، وأن رهانها على الجيش كما في أكثر من دولة عربية أخرى يتخلله الشك في ليبيا، وأن الجيش القادم لن يصبح "ضامناً للعلمانية" إلا إذا ما أقصي الإسلاميون تماماً منه، أو منحوا أدواراً ثانوية جداً.

 

هنا نحن إزاء مقاربة مع الحالة الغزاوية التي حصلت في العام 2007 عندما أزيحت القوى الموالية للغرب من القوى النظامية الأمنية فأصبحت واشنطن خارج اللعبة تماماً، وأضحت غزة ـ رغم كل الضغوط الهائلة عليها ـ مستقلة، وعليه؛ فقد وجد الغرب أنه أمام نمط مغاير لتلك الثورات التي سلمت الشعوب فيها مفاتيح الثورة للعسكر وانتظرت منهم وفاء بوعود حالمة.

 

وحيال ذلك، ليس أمام الغرب إما محاولة استمالة الإسلاميين، أو تحييدهم بالتدخل غير المباشر في "تأهيل" القوات الأمنية والعسكرية تمهيداً لتقليص دورهم، أو وقف التعامل إلا من خلال واجهة سياسية متغربة ومتنفذة تسيطر على ميزانية الدولة، وتنفق منها على النحو الذي يحد من قوة الإسلاميين، إضافة إلى التدخل التقليدي حول منابع النفط تحت ذريعة "تأمينها"، وسيكون في كل حال على الغرب أن يسعى لتغيير شكل الجيش الليبي القادم والاعتماد قدر الإمكان على ضباط القذافي إن استطاعوا!