أنت هنا

سوريا.. بين عسكرة الثورة والتدخل الدولي
24 شوال 1432
موقع المسلم

دخلت الثورة السورية الفريدة شهرها السابع في ظل فظائع رهيبة ووحشية مطلقة يمارسها  النظام الأسدي لأنه أَمِنَ  العقوبة فأساء الأدب واستشرس.وقد ساعده في جرائمه  خذلان عربي وعالمي غير مسبوق للانتفاضة الشعبية السورية الباسلة،وكذلك شتات المعارضة السورية في الخارج واستكانة المعارضة التقليدية في الداخل  ( غض النظام نظره عن عقدها اجتماعاً بموافقة ضمنية  بدليل تغطية قناة المنار لفعاليات المؤتمر ومحاولة التلفزيون السوري تغطيته!!وبدليل مقرراته التي خلت من مبدأ إسقاط النظام الذي يردده السوريون بإجماع وإصرار!!)!!

 

من هنا تسللت مشاعر سلبية إلى الناس لشعورهم بأنه لا أمل في تغيير الواقع الراهن فلا الشعب قادر على إسقاط النظام فعلياً ولا النظام قادر على قهر الشعب الصامد لكنه مستمر في الذبح والاعتقال والتعذيب حتى الموت.. والمتمسكون بسلمية الثورة إلى ما لا نهاية له يكادون ينحصرون اليوم في حفنة من المثقفين والمعارضين الآمنين في الخارج فهم لا يدفعون دماء ولا يتلقون مهانات ولا يتعرضون لتعذيب همجي ومن كانت يده في الماء ليس كمن رجلاه في النار !!
وهنا يلح السؤال الواجب عن البدائل الممكنة؟

 

ونقول بكل موضوعية:ليس هنالك سوى واحد من خيارين أحلاهما مُرٌّ:الأول: عسكرة الثورة والثاني: التدخل الدولي لحماية المدنيين!
وما من ريب في أن  العسكرة مخيفة لانعدام التوازن في القوة بين نظام مدجج بأعتى الأسلحة وشعب لا يملك حتى سكاكين مطابخ، بل إن النظام نفسه هو الذي سعى في الشهور الستة الماضية إلى تحويل الناس إلى الدفاع عن أنفسهم بالسلاح فلما يئس من ذلك اختلق فرية العصابات المسلحة!!

 

وفي موضع التدخل الدولي يتعمد النظام خلط المفاهيم بينه وبين التدخل الأجنبي والعسكري منه تحديداً،لترهيب المحتجين!!
فالتدخل الدولي مختلف جذرياً عن تدخل دولة أجنبية منفردة أو عدة دول،لأن مصطلح(الدولي) دقيق في دلالته على تحرك أممي من خلال قرارات تتخذها الأمم المتحدة.وليس التدخل الدولي ذا طابع عسكري محض بالضرورة،ولا سيما أن أي عمل عسكري خارجي –حتى لو كان تحت مظلة المنظمة الدولية-مرفوض من الشعب ومن القوى المعارضة،كما أنه لا توجد إرادة للتدخل العسكري لدى أي دولة قريبة أو بعيدة..

 

والتدخل الدولي الذي ينشده السوريون يتلخص في إنشاء منطقة حظر جوي فوق سوريا وحظر بحري أمام سواحلها، لتشجيع الناقمين في صفوف الجيش على الانشقاق الجماعي المُجْدي والمؤثّر،ولمنع تدفق المساعدات الإجرامية المتدفقة على النظام من روسيا وإيران بخاصة.وإذا أضيف إلى ذلك إحالة رؤوس النظام إلى المحكمة الجنائية الدولية فإن النتائج المتوقعة يرجح أن تكون حاسمة في إسقاط النظام المستكبر المتعنت.

 

بيد أن هذا السيناريو غير واقعي البتة،لأنه يتطلب إجماعاً في مجلس الأمن،وجميع المؤشرات تنبئ بعكس ذلك تماماً!!بالطبع سوف تتجه أصابع الاتهام هنا إلى روسيا بالدرجة الأولى ثم الصين بالدرجة الثانية،بحسب الظواهر،أما ما خفي فهو أن أمريكا ذاتها لا تود الضغط على النظام وهي تجد في غباء موسكو وحسابات بكين الذاتية خير ساتر يحجب موقفها الفعلي المشين!!ولو كانت ادعاءات البيت الأبيض صحيحة لما استطاع الروس والصينيون غير الرضوخ مثلما تؤكد سائر التجارب السابقة.

 

إذاً لا يبقى أمام الشعب السوري الجريح سوى خيار حمل السلاح للذود عن النفس والعرض والممتلكات!!والمعضلة في هذا الخيار ليست أخلاقية إذ إن الدفاع عن النفس حق متفق عليه تقره شريعة السماء وتقننه قوانين البشر.إنما الإشكال هو في الأخطار الهائلة التي تترتب عليه.

 

فهو يصب في مصلحة النظام من جهتين،أولاهما:غياب أي تكافؤ في موازين القوى،وصعوبة تسلح الناس لأن دول الجوار إما حليفة لنظام القمع(العراق ولبنان) وإما لا تجرؤ على الانحياز المعلن إلى جانب المحتجين(الأردن)وإما تؤيد الثورة لفظياً وتخذلها عملياً(تركيا)!!

 

والوجه الآخر لأذى هذا الخيار أنه يوفر للنظام ذريعة لطالما انتظرها وحاول افتعالها ألا وهي أنه يواجه تمرداً مسلحاً يستدعي إنهاءه بكل السبل المتاحة!!وبذلك يخسر الشعب السوري التأييد الوحيد الذي يحظى به وهو التأييد المعنوي من شعوب الأرض كافة!!

إنه مأزق عسير جدّاً،ويبدو أن عسكرة الثورة هي الأرجح لأن الغريق لا يفكر بغير النجاة ولا يملك ترف الوقت والتفكير الهادئ اللذين يتمتع بهما المعارضون البعيدون عن ساحة الوغى.

 

وربما يقود ذلك إلى إحداث انشقاق عمودي كبير وواسع في الجيش فيصبح هنالك تكافؤ نسبي في موازين القوى.وعلى الغرب والعرب المتخاذلين أن يهيئوا أنفسهم لمناخ سوف يَشْكُون كثيراً من لهيبه بعد فوات الأوان!!