أنت هنا

عواصم الثورات المضادة
19 شوال 1432
موقع المسلم

فيما تهب على العالم العربي رياح التغيير تتضافر جهود قوى عديدة لكبح جماح الثورات وحرفها عن مسارها قبل وبعد نجاحها الجزئي، وتتلاقى الجهود الغربية والصهيونية في هذا الصدد إلى الحد الذي يجعل تلك الدول أكبر عائق في طريق الحرية والاستقلال والاستقرار أيضاً.

 

ولئن كان للمظاهرات والاحتجاجات في عالمنا العربي من فائدة خلاف ما يؤمل منها مستقبلاً؛ فهو الكشف عن حجم التأييد الرسمي والإعلامي الغربي للأنظمة الديكتاتورية، أو على الأقل إرادة إعادة استنساخها بشكل عصري آخر بخلاف ما مجته تلك الشعوب وانصاعت له تلك العواصم على نحو ظاهري محدود.

 

والذي يتابع الصحافة الغربية الآن، وتقارير المنظمات الحقوقية الغربية، وعلى سبيل المثال تقرير منظمة العفو الدولية حول "انتهاكات الثوار لحقوق الإنسان" للحد الذي تعتبره المنظمة بأنه يرتقي إلى "جرائم الحرب"، وحديث الصحافة وبعض الساسة عما يُسمى باختراق الجماعات الإرهابية المسلحة لقوات الثوار وانتماء نحو نصف عدد أعضاء المجلس الانتقالي لتلك الجماعات أو ارتباطهم بها، ويستشعر من ثم تلقائياً التحديات التي ستواجه الثوار من استحقاقات ومطالب الغرب من النظام الجديد ومدى ولائه للغرب ولفظه لهوية البلاد الإسلامية، وهو ما ارتفعت وتيرته بعد ساعات فقط من إعلان رئيس المجلس الانتقالي الليبي مصطفى عبد الجليل أن الإسلام سيكون مصدر التشريع في ليبيا ما بعد الانتصار على القذافي، وبدا جلياً من ترك الثوار يخوضون معركتي سرت وبني وليد وحدهم تقريباً دون دعم الناتو.

 

ولكي نلمس شيئاً من هذه العرقلة المقصودة لطموحات الشعوب العربية لما بعد الثورات، نعود إلى صحيفة يديعوت أحرنوت العبرية التي نقلت عن مصادر سياسية "إسرائيلية" قولها "من المهم أن يبقى المجلس العسكري الأعلى في الحكم في المستقبل القريب لأنه يدرك أهمية المساعدة الأمريكية"، أيضاً  دويتشه فيله، التي أجرت حواراً مع الخبير الألماني في الشؤون العربية لوتس روغلر، جاء فيه: "في رأيي أن لإسرائيل مصلحة في ذلك. ومصلحة إسرائيل تتمثل في أن تمارس الولايات المتحدة ضغوطا على المجلس العسكري في مصر، من أجل أن يقوم بتأجيل الانتخابات المقررة هناك، وبالتالي تمديد حكم المجلس العسكري لوقت أطول، وعرقلة مجيء حكومة مصرية قوية".

 

أما في سوريا، فلا يحتاج التواطؤ الغربي مع نظام الأسد لدلائل؛ فمشاهد القتل بدم بارد لا تستفز الغرب لأكثر من تصريحات وبعض الخطوات العقيمة، وحرق الوقت تماهياً مع المخطط الصهيوأسدي لإبقاء حكمه الطائفي ـ به أو حتى بغيره إن تعذر الأول ـ لأطول فترة ممكنة تحت جملة من الذرائع الموحية باستحالة تغيير هذا النظام بالقوة الخارجية، بل أقل من ذلك، لا تفعل تلك العواصم شيئاً يذكر حيال التدخل الإيراني السافر إلى جوار النظام الفاشي السوري في قتل أبناء شعبه، وعند كتابة هذه السطور فإن نحو خمسين مدنياً سورياً قد استشهدوا في يوم واحد فقط من دون أن يرق للغرب جفن؛ فالقوى الحاكمة لشؤوننا العربية يبطئون عند الثورة، ويتدخلون سلباً بعد نجاحها لقطف ثمارها، أو لقيادة الثورة المضادة ضدها، تماماً كفلول الأنظمة البائدة العميلة، أو بالأحرى كقائدة لتلك الفلول.