أنت هنا

رحلة إردوغان العثمانية
18 شوال 1432
موقع المسلم

الانزعاج الذي تبدى في الصحافة والإعلام الغربي إزاء زيارة رئيس الوزراء التركي رجب طيب إردوغان تعكس قلقاً بالغاً من التقارب التركي العربي الحاصل لاسيما مع دولة عربية بحجم مصر تشهد مرحلة فارقة في تاريخها السياسي.

 

وهذا القلق عبرت عنه كبريات الدوريات والصحف والقنوات الغربية، ومنها مجلة فورين بوليسي جورنا الأمريكية وصحيفة جارديان البريطانية اللتين اتفقتا على أن "إردوغان يمارس لعبة شديدة الخطورة فى الوقت الذى يمكن أن تكون المخاطر أشد".

 

وكثير من وسائل الإعلام الغربية حاولت أن تعطي زيارات إردوغان لمصر خصوصاً، ولتونس وليبيا كذلك طابعاً براجماتياً بحتاً وتجسد الجانب المصلحي والنفعي لتركيا من تلك الزيارات، لاسيما خطب إردوغان التي جيرت في اتجاه دغدغة مشاعر المصريين العاطفية باستغلال المسألة الصهيونية، والإشادة بدولتهم والعزف على وتر العلاقة التاريخية بين تركيا ومصر، ومعظمها حشد آراء شخصيات ليبرالية تواقة إلى نقد التوجه الإسلامي للحكومة التركية للمزها من قناة خداع المصريين بمعسول الكلام.

 

ومن الطبيعي أن الزعيم التركي قد قدم إلى مصر برفقة نحو 200 من رجال الأعمال الأتراك الراغبين في تعزيز الاستثمارات التركية الكبيرة بمصر، وترمي الحكومة التركية من زيارة رئيسها إردوغان أن تجني ثمار محبة المصريين لتجربة تركيا الرائدة، غير أن ثمة ما يخيف الغرب جداً من هذا التقارب المصلحي إن جاز إطلاق ذلك وحده عليه، بل إن ما يروج له من علاقة نفعية بحتة لا يستقيم معه وصفه بأنه "لعبة شديدة الخطورة" مثلما اتفقت عليه مطبوعتان رئيسيتان في أمريكا وبريطانيا، وحملته من بعدهما العديد من الفضائيات والصحف والوكالات والمواقع الغربية؛ فالخطورة لا تكمن أبداً في مجرد شراكة اقتصادية تحفها عبارات المجاملة والثناء، وإنما في النظر إلى تقارب دولتين شديدتي التأثير في العالم الإسلامي السني بوسعهما أن يفرضا وجودهما كقطب عالمي جديد في عالم متعدد الأقطاب يرث النفوذ الأمريكي السابق.

 

إن القول بأن "بكاء طفل فلسطيني في غزة يوجع قلب أم في أنقرة."، و"تركيا ومصر يد واحدة"، كما قال إردوغان يوحي بأن "الخطورة" المعنية ليست إلا الوحدة الإسلامية، وأن سياسة "فرق تسد" التي كانت عنواناً لخطة الهيمنة "الاستعمارية" للإمبراطورية البريطانية السابقة لا تزال حاضرة لرسم سياسة الغرب إزاء المسلمين وحاكمة لعلاقاتهم بعضهم ببعض.

 

كما أن اختزال احتشاد آلاف المصريين وهرعهم لاستقبال إردوغان من المطار، واهتمامهم به، وهتافاتهم وعباراتهم الموحية، ومنها تلك التي قاطعوا بها خطابه في دار الأوبرا المصرية بقولهم "إردوغان يا زعيم وحد صف المسلمين"، لا يمكن تبسيطه بشكل مخل في غبطة المصريين بلغة خطاب الزعيم إردوغان وإجراءات تركيا حيال الصلف الصهيوني وحدهما، وإنما لسياسته الإسلامية والوطنية الخارجية والداخلية المستقلة، وتمكنه من الارتقاء بتركيا على كافة الأصعدة ووضعها كرقم صعب في الإقليم وأوروبا كلها، وهو ما تتلمسه الشعوب العربية وتفطن إلى مغازيه، وتجعل من التجربة التركية مثالاً يحتذى من المصريين وغيرهم سواء أكانوا من الإسلاميين أو من غيرهم، برغم تحفظ الأولين على نظرة إردوغان للعلمانية، والآخرين على "أسلمة" تركيا، وهو ما جعل الرجل أيقونة سياسية لا يباريها أي مرشح مصري يستعد لخوض مارثون الرئاسة المصرية بعد شهور، إذ من المفارقة اللافتة أن إردوغان الزعيم التركي يحظى بشعبية جارفة في الشارع المصري قدرها مركز بيو للأبحاث في استطلاع للرأي أجراه قبل 4 أشهر أفاد بأن 78% من المصريين لديهم ثقة بإردوغان، وهو رقم لا يتوقع أن يحصل عليه أي مرشح مصري..!!