ليس كسابقيه بأي حال؛ فقد جاء بشكل مغاير ومذاق مختلف لوجه العالم الإسلامي كله مع جملة من الثورات العربية التي اخترقت السكون المزمن وحركت المياه الراكدة، وفتحت الأبواب على عديد من الاحتمالات.
ما شاهدناه في عيد ما بعد الثورات العربية مثير للانتباه كثيراً، ورغم ضبابية المشاهد في كل الدول التي أنهت جولة مهمة من ثوراتها أو لم تنهها، كتونس ومصر وليبيا، أو اليمن وسوريا، إلا أن الصورة العامة الآن كانت مختلفة كثيراً، وإيجابية إلى حد بعيد؛ فالذين أطاحوا أنظمة الطغيان في البلاد الأولى تنسموا عبق الحرية في عيدهم الذي شهد لأول مرة صلوات عيد دون رقابة أمنية لصيقة، وتضييق على العباد، ومصادرة لحق المصلين في التجمع لصلاة العيد في الخلاء، وانطلاقاً للروح الدينية العميقة لدى تلك الشعوب.
فرحة عارمة عمت تونس مع خروج مسيرات لجمع المصلين لصلاة أول عيد في الخلاء والساحات التي خصصتها السلطات في الشواطئ والميادين، وتجمهر المسلمون في مشاهد حرم منها الرئيس المخلوع "زين العابدين" المسلمين من أدائها، كصلاة التهجد والتراويح من قبل في المساجد التي أشرعت أبوابها طوال الليل للقائمين والساجدين بلا خوف من ملأ بن علي أن يفتنوهم.
وإثرها خرج الناس إلى الشوارع، ولأول مرة تجد المرأة التونسية حظها في هذه المناسبة أن ترتدي ما تشاء من لباس يسترها عن عيون المتلصصين؛ فاختارت نسوة أن يلتزمن الحجاب الشرعي، وبقيت أخريات ينازعن ما تبقى من صدأ العلمانية والأفكار الملوثة، وينتظرن أن يتشربن بري الهداية والنور.
ومصر التي خرج من مساجدها العاكفون والركع السجود في رمضان حرية وإيمان، احتشدوا في مئات بل آلاف الساحات التي تبارى المتدينون في تجهيزها لتليق بهذه المناسبة الجامعة، حيث وفر جو الحرية الذي أتيح لخطباء تلك التجمعات الضخمة بالبوح بما كان يعتمل في نفوسهم طوال سنوات القهر والاستبداد والاستعباد.
وحيث خرجت ليبيا من آخر جولات ثوراتها المهمة، وكانت طرابلس على موعد مع حرية لم تذق طعمها منذ أربعين عاماً ونيف، وكانت فرحة المدينتين الرئيسيتين في البلاد لا توصف، وتبارى الخطباء في توجيه المسلمين بما يتوجب عليهم في تلك المرحلة، وسط حشود هائلة لم تخرج مقهورة على مظاهرات زور، ولا استعراضات زائفة، والسيف على أعناقها.
خرج الجميع بالله، ولله، يشكرونه ويستمدون منه العون والنصرة على ما تبقى من مؤامرات الداخل والخارج على تلك الجموع المؤمنة وإراداتها بحكم إسلامي قويم.. خرجوا، وعادوا أدراجهم دون أن يقلبوا أنظمة حكم، ولا يهددوا أمناً وسلماً اجتماعياً مثلما درج أعوان الطغاة أن يقولوه!! لم تنهد الأرض، ولم تسقط السماء على الأرض إذ خرجوا آمنين وعادوا مطمئنين وادعين، وهم يحكون عن أول عيد يتنسمون فيه رياح جديدة.
وفي تلك الدول التي لم تنه جولتها الأولى، انطلقت الجماهير تستشرف فجراً جديداً، يسقط فيه الاستبداد والفساد، يشحذون هممهم في اليمن، يستمطرون الحل، ويتزودون بجرعة صمود جديدة في مارثون الثورة اليمنية.
أما في بلاد الشام المكلومة؛ فإن العيد عنا الاستشهاد والفداء والصدور العارية في مواجهة الرصاص، والإيمان الأكيد في وجه النظام المهرطق العتيد.. فقد جاء العيد إثر أكبر عملية إنهاك ينفذها الثوار ضد الميليشيات الطائفية في سوريا، ليضيفوا معنى جديداً للتكبير في عيدهم لم يألفه المصلون في عالمنا العربي ولم يكونوا يلتفتون إليه، ككلمة حق في وجه سلطان غشوم.
وغير هذه البلاد، ينسحب التأثير على العالم الإسلامي برمته، من نظرة جديدة للإنسان وحقوقه، وتوق إسلامي إلى السمو إلى عنان السماء.