عملية "إيلات".. "شرعنة" الهجوم على غزة
26 رمضان 1432
تقرير إخباري ـ نسيبة داود

يبدو أن العملية التي وقعت في مدينة إيلات (أم الرشراش) المحتلة قبل أسبوع والتي استهدفت جنود "إسرائيليين"، كانت مجرد "صنيعة" أو ذريعة للاحتلال الصهيوني لبدء عملية عسكرية واسعة النطاق ضد قطاع غزة، وذلك من خلال شن هجمات جوية واقتحامات برية أسفرت منذ الخميس الماضي عن مقتل 20 شخصا بينهم نساء وأطفال، وإصابة العشرات من أهالي غزة.

 

 

مؤشرات فلسطينية وحتى صهيونية تشير إلى ذلك، فأي من الفصائل الفلسطينية المعروفة لم تعلن مسؤوليتها عن الهجوم كما أن السلطات "الإسرائيلية" لم تنشر أسماء أو صور ضحاياها من الجنود والمدنيين كما لم تنشر أيه تفاصيل عن منفذي الهجوم.

 

وتدعم هذه الفكرة أيضا الحقيقة التي يعلمها العسكريون الفلسطينيون جيدا حول وجود تنظيمات فلسطينية وهمية أنشأتها قوات الاحتلال لتستخدمها كأداة لتنفيذ أهدافها، كتلك الواضحة من عملية "إيلات" التي قيل إنها استهدفت حافلتين وسقط فيها 4 جنود "إسرائيليين".

 

كل هذه الشكوك وغيرها دفعت بالقيادي في حركة المقاومة الإسلامية (حماس) محمود الزهار إلى وصف هذه العملية بـ"الغامضة"، مؤكدا أن "إسرائيل" استغلتها للاعتداء على غزة.

 

تصريحات الزهار جاءت في حوار مع وكالة "معا" الفلسطينية يوم الخميس، حيث تساءل عن السبب وراء استمرار "إسرائيل" في إخفاء هوية منفذي العملية، قائلا: "حتى الآن لا نعرف من هم ومن أين جاؤوا، ولم تعلن إسرائيل عن أسماء المشاركين في هذه العملية، أو تقوم بنشر صورهم أو حتى صور القتلى الإسرائيليين بعكس ما كانت تعمل في مثل هذه العمليات، كما أن العملية لم يتبناها أي فصيل فلسطيني".

 

وهذه الحقائق دفعت الزهار إلى اتهام "إسرائيل" باختلاق الأسباب لشن عدوان على غزة، حيث قال: "تم العدوان بقصد العدوان ودون أي مبرر، ثم اعتدوا على قائد كبير من قادة المقاومة الشعبية في رفح؛ أبو عوض النيرب (القيادي في سرايا القدس التابعة لحركة الجهاد الإسلامي) وخمسة آخرين، مما دفع المقاومة إلى الرد والدفاع عن النفس".

 

فلا حماس ولا الجهاد ولا حركات المقاومة الأخرى تريد أن يعاد احتلال القطاع، كما أنهم إلى جانب الشعب الفلسطيني لا يريدون حربا دامية أخرى كالتي شهدها القطاع في أوائل 2009، والتي سقط فيها 1400 شهيد و5 آلاف جريح ودمرت فيها البنية التحتية لمناطق عديدة بالقطاع.

 

لكن هذه التأكيدات لم تأت من الزهار فحسب، بل أوردتها صحيفة "هاآرتس" الصهيونية، حيث قالت في تقرير لها يوم الخميس إن هناك شكوكا من أن يكون منفذو الهجوم جاؤوا من قطاع غزة، مدللة على ذلك بغيات خيام العزاء التي عادة ما يقيمها في غزة أهالي منفذي العمليات.

 

كذلك أشارت الصحيفة إلى أنه رغم أن العائلات تُمنع في بعض الأحيان من إظهار الحزن على شهدائها أو إقامة سرادقات، ضمانا لسرّيّة هوية المجاهدين، إلا أن أنباء كهذه لا تخفي عن الناس في شوارع القطاع.

 

كل هذه الشواهد تشير إلى أن المهاجمين لم يأتوا من غزة، على عكس ما يزعم جيش الاحتلال. كما يشك أهالي غزة في أن تكون ألوية الناصر صلاح الدين التابعة للجان المقاومة الشعبية وراء هذه العملية، رغم أن الألوية أصدرت بيانا أثنت فيه على الهجوم لكنها لم تتبناه.

 

ويدعم هذه الفكرة أيضا ما نشرته صحيفة "المصري اليوم" يوم الاثنين الماضي ناقلة عن مصادر عسكرية مصرية قولها إن ثلاثة من منفذي هجوم "إيلات" يحملون الهوية المصرية.

 

وكما هو متوقع؛ بعد ساعات من عملية "إيلات" قامت قوات الجيش الصهيوني باستهداف قيادي ألوية الناصر وثلاثة من رفاقه بصاروخ أطلقته على منزل أحدهم بمخيم رفح، وأدى القصف إلى استشهاد ابنه ذو العامين.

 

وفي جنازة هؤلاء الشهداء التي حضرها عشرات الآلاف من أهالي غزة، تحدثت "هاآرتس" عن مطالبات المشيعين وأهالي الشهداء بالانتقام من العدو الصهيوني بسبب هذا الهجوم.

 

وبهذه الطريقة تكتمل خطة التصعيد ضد غزة ومحاولة جر المقاومة نحو حرب مدمرة أخرى. لكن حركة حماس التي تحكم القطاع دعت حركات المقاومة بما فيها ألوية الناصر إلى التمسك بالهدوء وعدم الانجرار وراء التصعيد الذي يريده العدو.

 

وفيما بدأت الحركات تستجيب، ازداد التصعيد الصهيوني ضد القطاع باستمرار الهجمات الجوية والقصف الصاروخي لمناطق سكنية، إلى جانب التوغلات البرية والتي كان آخرها قبيل فجر الخميس. وتمكنت كتائب القسام الذراع العسكري لحماس من التصدي لهذا التوغل الذي نفذته قوة خاصة صهيونية في بيت لاهيا شمال القطاع وذلك بعد اشتباك مباشر.

 

كما أدت غارتين جويتين على رفح جنوب القطاع وبيت لاهيا في الشمال إلى استشهاد اثنين ليصل بذلك عدد الشهداء منذ عملية إيلات إلى 20 فلسطينيا إلى جانب عشرات الجرحى.

 

هذا التصعيد بدوره دفع المقاومة إلى الحديث عن "خروقات إسرائيلية للتهدئة" وعن جهود لتوصيل وجهة نظر المقاومة للأطراف الدولية وبيان أن الهجمات يبدأها الاحتلال الصهيوني، حسبما جاء على الموقع الإلكتروني للمركز الفلسطيني للإعلام.

 

لكن حماس قالت في الوقت ذاته إنها لن تستطيع منع فصائل المقاومة المختلفة من الرد على اعتداءات الاحتلال المتواصلة، محذرة "إسرائيل" من مزيد من الهجمات الصاروخية على جنوب الكيان الصهيوني.

 

وتبقى الأصابع معقودة في انتظار ما ستأتي به الساعات والأيام القادمة من تطورات ميدانية قد تعقد الوضع، أو حلحلة سياسية وضغوط من الجانب المصري من شأنها أن تعمل في اتجاه العودة إلى التهدئة المنشودة في الوقت الراهن.