
"جمعة ساخنة" تلك التي شهدتها "ساحة النخيل" بالعاصمة الأردنية عمان حيث خرج مئات الأردنيين للمشاركة في اعتصام مفتوح للمطالبة بإصلاحات، لكن قوات الأمن واجهتهم بعنف وصف بالمفرط وغير مسبوق خلال فترة الاحتجاجات منذ يناير الماضي ، ويزيد على ذلك القيام وبشكل لافت بالتعدي على الصحفيين ووسائل الإعلام التي كانت متواجدة في الساحة لتغطية الحدث.
وانطلقت المسيرة التي نظمتها حركة 24 مارس (حركة شبابية تابعة للإخوان المسلمين وقوى حزبية أخرى) - من الجامع الحسيني في عمان بعد صلاة الجمعة باتجاه ساحة النخيل في منطقة رأس العين وسط العاصمة. وطالب المحتجون الذين حاولوا تنظيم اعتصام مفتوح بالساحة بإقالة الحكومة وحل البرلمان وإلغاء محكمة أمن الدولة لكنهم تعرضوا لاعتداء قوات الدرك التي حاولت تفريق المسيرة بالقوة مما أدى إلى وقوع إصابات كثيرة بين المتظاهرين.
كما تعرض عدد كبير من الصحفيين وممثلي وسائل الإعلام لاعتداء قوات الدرك أثناء تغطيتهم للمسيرة وتحطيم لكاميرات القنوات الفضائية التي كانت تغطي فعاليات المسيرة، كما تعرض عدد من المحلات التجارية بوسط عمان للاعتداءات من قبل بلطجية.
ونقل الصحفيون المعتدى عليهم إلى المستشفى لتلقي العلاج، ومن بينهم مراسل الجزيرة الفضائية -ياسر أبو هلالة- وسامي محاسنة، خليل مزرعاوي ومجدي منصور، وأنس ضمرة، علي الزعبي وأحمد قبلاوي، وطال الضرب بالهراوات كافة الصحفيين الذين يرتدون سترات الصحافة، وهي سترات وزعها المكتب الإعلامي في مديرية الأمن العام على الصحفيين لتمييزهم أثناء تغطيتهم للبؤر الساخنة.
لكن يبدو أن هذه السترات كانت مصيدة لاقتناصهم من قبل قوات الدرك، بحسب نقيب الصحفيين طارق المؤمني الذي دعا الصحفيين الذين يغطون المسيرات إلى خلع ستراتهم.
وفي الوقت نفسه نفى الناطق الإعلامي باسم مديرية الأمن العام محمد الخطيب “استهداف الأمن للصحفيين” قائلا إن “ما جرى أمر طبيعي في ظل الاشتباكات المندلعة والاحتكاكات”، في إشارة منه لاشتباك جرى بين قوى المعارضة ومتظاهرين موالين للحكومة يحملون أدوات حادة.
ويأتي اعتداء الأمن -الذي تعهد بتوفير الحماية لكافة الصحفيين- بهدف منع وجود شهود على العنف الدموي الذي ينوي ارتكابه ضد المحتجين، وعدم السماح للصحفيين بأداء دورهم في التغطية المهنية للحدث لتوصيل الحقيقة للناس خاصة أثناء قيام التلفزيون الأردني ببث مسلسل سوري أثناء الأحداث في ساحة النخيل!.
كما يرى المراقبون أن استهداف الصحفيين أولا والاعتداء عليهم كان مقدمة لاعتداء دموي على المشاركين في المسيرة, فقد حمى الصحفيون الذين تلقوا الضربة الأولى المتظاهرين الذين كانوا يعبرون عن رأيهم بشكل سلمي.
وقد سارعت مديرية الأمن العام الأردني إلى الإعلان في بيان عن توقيف أربعة من رجال الأمن يشتبه بتورطهم في الاعتداء على صحفيين، فضلا عن تشكيلَ لجنة للتحقيق في ملابسات الاعتداء.
لكن نقابة الصحفيين الأردنيين أعلنت أنها تعتزم ملاحقة مديرية الأمن العام أمام القضاء بعد اعتداءاتها على الصحفيين مما أدى إلى إصابة 16 منهم، معتبرة أن توقيف 4 من رجال الأمن غير كاف فهناك عشرات يجب محاسبتهم.
وتصاعدت الإدانات من جانب حقوقيين ونواب إسلاميين للاعتداء على الصحفيين في ساحة النخيل، محملين الحكومة مسؤولية ما حدث، حيث شددوا على أن الحكومة تدرك ما كانت تعمل وكان مقصوداً للتغطية على ما حدث في ذلك اليوم".
كما اعتبر المركز الوطني لحقوق الإنسان أن الاعتداء على الصحفيين من قبل قوات الأمن يشكل ظاهرة خطيرة لم تألفها المملكة ويتنافى مع دور الحكومة في تعزيز حرية الرأي والتعبير ويشكل اعتداءً صارخاً على حق الإعلاميين في نقل الحقائق للرأي العام بشفافية ويحرمهم من ممارسة واجبهم المهني في تغطية الاعتصامات السلمية.
ويتحدث محللون عن الخسارة التي لحقت بحكومة الرئيس معروف البخيت الأردنية ففي مقابل منع سيناريو الاعتصام المفتوح خسرت حكومته إستراتيجيا مصداقية علاقتها مع الإعلام، حيث توجهت فعاليات إعلامية وصحفية أردنية كانت عمليا ضد الاعتصامات ولا تتعاطف معها للانضمام لمعسكر التنديد بالحكومة.
وانشغل كتاب بارزون في الصحافة الأردنية طوال الأيام الماضية بانتقاد الموقف الرسمي من أحداث ساحة النخيل وبالاعتراض على تصرف قوات الأمن مع المطالبات السلمية للإصلاح.
ويطالب الشباب المنظمون لاعتصام 15 يوليو بسبعة مطالب هي: تعديلات دستورية تجعل الشعب مصدر السلطات، وسن قانون انتخابي يفضي إلى مجلس نواب محصن دستوريا، وحكومة منتخبة تشكلها الأغلبية البرلمانية، ومحاكمة الفاسدين واستقلال القضاء، وإنشاء محكمة دستورية، ورفع القبضة الأمنية عن الحياة السياسية، وإصلاحات اقتصادية تنقذ الاقتصاد من الأزمة المتفاقمة.
وقبل الاعتصام دعت فعاليات حزبية وعشائرية أردنية إلى عدم المشاركة في أي اعتصام مفتوح يضر بمصالح الدولة والمواطنين، معتبرة أن الجهات التي تقف خلف المسيرات والاعتصامات المفتوحة لديها "أجندات خارجية" وتتلقى تعليمات وإملاءات من الخارج لزعزعة الأمن والاستقرار في الأردن، وهي نفس مبررات النظم التي هوت في الفترة الأخيرة (مصر وتونس) والمنتظرة في سوريا وليبيا.
ويشهد الأردن منذ يناير الماضي احتجاجات مستمرة تطالب بإصلاحات اقتصادية وسياسية وبمكافحة الفساد تشارك فيها الحركة الإسلامية وأحزاب معارضة يسارية إضافة إلى النقابات المهنية وحركات شعبية طلابية وشبابية. ولم تحدث اصطدامات إلا في حالتين فقط وهما في دوار الداخلية يوم 24 مارس وفي ساحة النخيل يوم 15 يوليو وذلك نتيجة اللجوء لخيار الاعتصام المفتوح والذي يفتح الأبواب لتصاعد الأحداث.
ويتساءل المحللون هل يمكن أن تكون "ساحة النخيل" بداية لثورة الأردنيين الذين لم يرتكبوا جرما سوى الاعتصام السلمي المفتوح والتي لم يسمح الأمن بها وقابلها بعنفد مفرط كان الضحية الأولى فيه هي الصحفيين؟