أنت هنا

نشأة الدول واصطناعها!!
13 شعبان 1432
موقع المسلم

جاءت الحفاوة الغربية -صليبية ويهودية- ضخمة وذات ضجيج وصخب، بمناسبة انتزاع جنوب السودان من بلده الأم وإعلانه "دولة"، مع إحاطة الدولة الناشئة بضمانات شديدة لكي تستمر وتبقى، فالرعاة الأجانب يعلمون أن هذا الكيان المختلق لا يمتلك أسباب البقاء الطبيعية للدول ذات النشأة المعقولة.

 

وهذا العرس الغربي يعيد إلى الذاكرة عرساً مشابهاً، أقامه الصليبيون احتفاء باقتطاع  منطقة تيمور الشرقية من إندونيسيا، لمجرد أن تلك البقعة تضم حفنة من المتنصرين الذين نجحت فترة الاحتلال الصليبي في طمس هويتهم وتنصيرهم!!
أما "دولة" جنوب السودان فهي فكرة خبيثة عمرها نحو150عاماً، عندما سيطر المحتل الإنجليزي على السودان، حيث انتهج سياسة بعيدة المدى، لاقتطاع الجنوب، من خلال إغلاقه في وجه المسلمين من أبناء الشمال السوداني، وفتحه أمام بعثات التنصير من كل صنف ولون، لوقف نمو الدعوة الإسلامية في القارة السمراء.

 

وفي المقابل، يستطيع المراقب الموضوعي طرح أسئلة مفحمة على عبيد التغريب، مثل رفض الصليبيين الجدد إقامة دولة للشعب الفلسطيني على بقايا أرضه، التي ساعدوا أعداء الأمس اليهود في اغتصاب أكثرها، وتهويد سائرها!!
كذلك، ينتصب السؤال المخزي للغرب، عن تواطؤ الغرب بتناقضاته كلها، للحيلولة دون إقامة دولة حقيقية في البوسنة والهرسك، بعد مذابح الصرب برعاية دولية على رؤوس الأشهاد، بالرغم من أن البشناق المسلمين تبنوا تأسيس دولة وطنية مدنية وليست دينية على طريقة الكيان الصهيوني وتيمور الشرقية وجنوب السودان!!

 

والمثير للانتباه، أن الدجل الغربي لم يكف عن التدفق حتى في عصر ثورة المعلومات والاتصالات فموقع قناة فرنسا24 على الإنترنت،  يكذب صراحة حين يدعي أن أكثر سكان جنوب السودان نصارى ووثنيون وإلى جانبهم أقلية مسلمة !!علماً أن قناة بي بي سي العربية جاءت بما يقرب من الحقيقة فقد أشارت إلى أن نسبة المسلمين هناك 18% والنصارى17% والبقية من الوثنيين!!فكيف تقام دولة للأقلية النصرانية تحت لواء الكنائس المتعصبة؟!

 

أما أهداف الغرب من إقامة الكيان الصليبي في جنوب السودان فيمكن إيجازها بـ:

 

= كبح  انتشار الإسلام جنوبي الصحراء فالقوم ساخطون لأن استعمارهم الوحشي لإفريقيا واستقدامهم جيوش المنصّرين لم يحققا غايتهم الوضيعة بإزالة الإسلام منها، والاحتفال بتنصيرها في عام2000م بحسب خططهم التآمرية.
= تمزيق السودان واستنزاف ثرواته الهائلة.

 

= زيادة الضغط على مصر بمياه النيل، وهو أمر بات علنياً في السنوات الأخيرة، في ظل نظام استبدادي في القاهرة لم يكن الأمن القومي المصري من بين شواغله!!

 

= نهب الاحتياطي السوداني الراهن للنفط البالغ 6,7 مليار برميل- فمن إجمالي 470 ألف برميل يوميا تم ضخها من السودان جاءت ثلاثة أرباع الكمية من الجنوب والمناطق الحدودية،  ويتم تصدير النفط عبر خط أنابيب يمر في الشمال وصولاً إلى البحر الأحمر.
كما يتمتع الجنوب بثروات معدنية من بينها اليورانيوم فضلا عن الطاقات الزراعية الهائلة التي يمكن اطلاقها في بلد عجز عن استغلالها بسبب الحرب.

 

أما المضحك المبكي في الدويلة المفتعلة في جنوب السودان، فيتجلى في أن النخبة الجنوبية التي تربت في كنف الاستعمار وفي وحل الكنسية، أصرت على اتخاذ الإنجليزية  لغة رسمية،  بالرغم من الانتشار الواسع للغةٍ  مقتبسة عن العربية تسمى "عربي جوبا"،  بالإضافة إلى  وجود لغات محلية  تقليدية تستخدمها أكثر من 200 مجموعة عرقية مختلفة.

 

والدرس البليغ الذي ينبغي للمسلمين تعلمه من هذه الأحداث الكبرى المؤلمة، فهو حتمية الترفع عن المكاسب الذاتية للنظم الحاكمة على حساب المصالح العليا للأمة كافة، بل وللوطن الصغير نفسه.فالعرب وبخاصة جيران السودان لطالما تجاهلوا محنة السودان وكان بعضهم عوناً لمؤامرة سلخ الجنوب عن البلد الأم مع أن ذلك يؤذي بلاد هؤلاء الحكام الأقزام!!

 

والأمر ذاته ينطبق على كثير من النُّخَب السودانية التي تلهت عن مصير وطنها بخلافاتها السياسية الهامشية مع فصائل وقوى سودانية أخرى!! فلقد ضاع الجنوب وهؤلاء مشغولون بالتناحر على السلطة العابرة!!