تكلم رجب طيب أردوجان أخيراً عن مأساة الشعب السوري، ولكنه لم يتحدث إلا بعد أن طفح الكيل وبلغ السيل الزبى فالمجازر ضد المدنيين مستمرة ومتفاقمة من حيث الحجم، وهي تزداد بشاعة وفظاعة من حيث النوع والدرجة الهمجية غير المسبوقة: تعذيب أطفال بوحشية حتى الموت، رقص فوق ظهور الرجال من أحياء وقتلى، قتل النساء، إحراق الزرع وقتل البهائم!!!
والمفارقة الجديرة بالتأمل: أن تركيا العضو المؤسس لحلف الناتو تناوئ سياسات واشنطن وعدوانية تل أبيب في حين يراهن عليهما مدعي العروبة والمتشدق بالممانعة، فها هي أمريكا بعد ثلاثة أشهر دامية في سوريا تزعم أن العنف الذي يمارسه النظام يثير أسئلة حول شرعية النظام-أسئلة!! -وتدعو إلى زيادة الضغوط عليه ولا يدري عاقل من الذي تدعوه للضغط ما دامت هي لا تفعل وتماطل ؟ هذا فضلاً عن التضليل باستخدام مصطلح"زيادة الضغط" لأنه يوحي بوجود ضغوط وأن المطلوب زيادتها!! وذلك كذب محض!!
وبالرغم من صبر أردوجان المديد الذي بدأ يستفز محبيه في بلده وفي خارجها، فإن نظام الطائفية المزمنة في دمشق راح يرجم أنقرا بالاتهامات المكذوبة، رغم تردد حكومة العدالة ونعومة موقفها نحو النظام فالمطلوب لدى هؤلاء الـتأييد الأعمى على طريقة نصر الله وازداد السعار الأسدي لأن أنقرا اضطرت لإيواء ألوف السوريين الهاربين من آلة البطش الوحشية في جسر الشغور وهو هرب ذو خلفية جلية لها بعدان: تاريخي إذ إن أهل جسر الشغور ذاقوا-مثل حماة وحي الشمارقة في حلب- آلام همجية النظام في عهد الأسد الأب قبل ثلاثين عاماً وهم قبل أسابيع شاهدوا بأم العين مجازر الابن وبخاصة في درعا وحمص وبانياس
فالنظام يريد من تركيا أن تعيد المدنيين الفارّين من جحيم نيرانه على غرار تصرف النظام اللبناني الذي يتحكم به حسن نصر الله فقد قام جيش لبنان باعتقال السوريين اللاجئين من تلكلخ ومنع آخرين من دخول الأراضي اللبنانية مع أن هذا السلوك المشين جريمة إنسانية وفق أحكام القانون الدولي فكيف بمؤازرة آلة قتل طائفية فظيعة ضد شعب جار كان له مواقف مشرفة في إيواء اللبنانيين الذين هربوا من القصف الصهيوني الذي استجلبه حزب اللات بناء على توجيهات وليه السفيه في طهران وها هو اليوم يرد الجمائل للسوريين الذين أكرموا قومه على حساب لقمة عيشهم الشظفة أصلاً على يد بشار وأبناء عمومته وخؤولته الذين ينهبون ثروات سوريا كلها ويتمتعون بها على حساب ملايين الجياع!!
إن ما يزيد من جنون النظام إخفاق وحشيته غير المسبوقة في إخماد الثورة بل إن نتائجها كانت عكسية تماماً فقد تضخمت أعداد المتظاهرين واتسعت رقعة الاحتجاجات جغرافياً وانضم المترددون ثم بدأ الانشقاق يغزو جيش النظام بالرغم من السيطرة الأمنية المُحْكَمة طائفياً!!
والمثير للشفقة أن زبانية بشار وماهر الأسد أطلقوا العنان لأبواقهم لتهديد تركيا بتجديد رعايتهم لإرهاب حزب العمال الكردستاني ضد تركيا، متناسين أن حافظ الأسد سبق له الرضوخ بشكل مذل لوعيد الجيش التركي، فطرد زعيم حزب العمال عبد الله أوجلان، بل إنه-بنذالته الموروثة-عمد إلى تسليمه للاستخبارات التركية!!
ولعل هؤلاء الأقزام يحتاجون إلى تهديد الجيش التركي لهم بالكشف عن فكرة إقامة منطقة عازلة على الحدود مع سوريا، لحماية الأمن القومي التركي، فتركيا تتصرف كدولة وعصابات الأسد تتصرف كعصابة مافيا.
إن خسارة النظام السوري لأردوجان ورفاقه تندرج في خسارته السريعة لجميع حلفائه لأن عدم الوفاء خلق أصيل لديهم: فقد خسورا قطر وأحالوها من حليف إلى خصم وكذلك فعلوا مع المفكرين والمثقفين والإعلاميين، مثل: عزمي بشارة وطلال سلمان صاحب جريدة السفير ورئيس تحريرها.
إنه نظام مذعور من جرأة الشعب الأعزل الذي سكت على الظلم أربعين سنة فتوهموا أن إحساسه قد مات!! ولعلها حشرجات المحتضر بإذن الله تعالى.