حقيقة ما جرى خلال تشييع شهداء يوم النكسة
7 رجب 1432
ماهر حجازي

حقيقة إن الأحداث التي شهدها مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين جنوب العاصمة السورية دمشق، خلال تشييع شهداء ذكرى يوم النكسة الذين ارتقوا إلى العلا برصاص الغدر الصهيوني على أرض القنيطرة ومجدل شمس في الجولان السوري المحتل، إنه شيء يدمي القلب ويبكي العين كيف تحولت المعركة وتغير مسارها، فالبنادق التي كان من الأجدر لها أن توجه إلى صدور الأعداء الصهاينة في مجدل شمس المحتلة، والتي كانت تتبختر هناك على أكف مقاتلي الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين القيادة العامة بينما كان الشبان الفلسطينيون يذبحون الواحد تلو الأخر، كانت هذه البنادق خجلة متأرنبة أمام العدو الصهيوني، وكأنها لا تحمل إلا للزينة والتبختر،  لكن سرعان ما أن توحشت لتتغول في دماء الشعب الفلسطيني الذي حمل أحمد جبريل والقيادة العامة خصوصا والفصائل الفلسطينية عموما المسؤولية عن الدماء الزكية التي ازهقت في الجولان.

 

 

 

أما القصة وما حدث من البداية...

انطلقت الجموع البشرية من أهالي مخيم اليرموك يشيعون في موكب جنائزي مهيب شهداء يوم النكبة العشرة من أبناء المخيم، انطلق الموكب من امام مسجد الوسيم بعد الصلاة على جثامينهم الطاهرة، حملت النعوش على الأكف وسارت بهم الجحافل البشرية صوب مقبرة الشهداء في مخيم اليرموك.

 

 

هتفت الجموع للشهيد وللثأر والانتقام من الأعداء الجبناء، وما أن وصلوا المقبرة لتبدأ أولى الاشتباكات، حيث رفض أبناء المخيم أن يتحدث ماهر الطاهر مسؤول الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في الخارج وبدأ التدافع فقام مرافقه الشخصي باطلاق الرصاص في الهواء ليتأزم الموقف فاندفع عشرات المشيعين تجاههما، حيث أجبر الطاهر ومرافقه الى اللجوء الى إحدى الشقق السكنية القريبة من المقبرة، وحاول مجموعة من الشبان اقتحام الشقة وقد حطموا زجاجها، للأسف لا يفترض أن يصل الحال الى الاعتداء على الشقة السكنية فهي لأناس أمنين لا علاقة لهم بتصرف مرافق الطاهر، وهذا التصرف لا يمت للشعب الفلسطيني بصلة ولا من أخلاقنا، وبفضل من الله لم يتأذى أحد من سكان الشقة.

 

 

بدأ بعدها المشيعون بالهتاف باسقاط الفصائل، وركزوا في هتافهم ضد أحمد جبريل والقيادة العامة، وأخذوا يصيحون بالتوجه الى مقر الجبهة المعروف بمبنى الخالصة في مخيم اليرموك منطقة شارع الثلاثين.

 

 

يقول المشيعون:"أن القيادة العامة وعدت الشبان باعطائهم سلاح ليقاتلوا في الجولان إلا أن القيادة العامة أخلت بوعودها تجاههم، حتى أنها لم ترسل سيارات نقل لاعادة الشبان من مجدل شمس، ولماذا لم يدافع مرافقوا أنور رجا الذين يحملون السلاح عن ابناء شعبهم، حيث اكتفى أنور رجا بالحديث إلى احدى الفضائيات من موقع الحدث " هنا الجنة" فلماذا لم ينضم الى ابناء شعبه ويلحق بهم الى الجنة".

 

 

 

هذا الأمر كان سببا في اشتداد الأزمة، وبلغ الأمر إلى أن توجه المئات من اللاجئين الفلسطينيين من أبناء مخيم اليرموك الى مقر القيادة العامة وهناك كانت الطامة الكبرى.

عند الساعة الخامسة عصرا توجهوا الى مقر القيادة العامة، وحسب ما قيل بأن أحمد جبريل موجود داخل المقر، اندفعت الجماهير الفلسطينية تقذف بالحجارة مقر القيادة العامة ، لكن للأسف بدأ حراس المبنى وحراس قيادات الجبهة باطلاق الرصاص الحي والقنابل تجاه الفلسطينيين الغاضبين، وبشكل مباشر مما أدى إلى استشهاد مايقارب (5) شهداء واصابة العشرات بجروح.

كنت أتواجد في المكان، ماذا اصف لكم هل أحدثكم عن الشهيد المصاب بعيار ناري في رأسه أم الرجل الكبير الذي أصيب بطلق ناري في صدره، أم الشاب أبو صيام الذي أزهقت روحه رصاصة في القلب.

 

 

أم تلك المرأة التي تمسك بأطفالها الاثنين وتبحث ملهوفة عن طفلها الثالث، استمرت الموجهات إلى ما بعد منتصف الليل واستنفرت المشافي والجرحى يتوافدون الى مشافي المخيم تباعا.

حالة من الذعر والارباك عاشها الفلسطينيون يوم أمس في مخيم اليرموك، لم تستطيع قوات حفظ النظام انهاء المذبحة، واستمر اطلاق النار من مبنى القيادة العامة والقاء القنابل تجاه اللاجئين، بالمقابل حرق الغاضون سيارات للقيادة العامة واندلعت النيران في المقر، كما تمكنوا من الامساك بأحد مقاتلي الجبهة لكن للأسف قتلوه ورمي في الشارع، وأخذوا سلاحه.

للأسف هذا اليوم لن يمحى من ذاكرة مخيم اليرموك حيث قتل الفلسطيني برصاص الفلسطيني الذي تأرنب في الجولان وتوغل في مخيم اليرموك.

 

 

بقينا أكثر من اربع ساعات أمام مشفى فلسطين على بعد أمتار من موقع المواجهة، وكلما نسمع زخات الرصاص سرعان ما ينقل جريح أو شهيد الى المشفى.

العائلات الفلسطينية أباء وأمهات انتشروا في أزقة المخيم وحول المشافي يبحثون عن ابنائهم بين الجرحى أو الشهداء.

المعلومات تتقاذفها ألسنة اللاجئين عن تمكن الغاضبين من اقتحام مبنى القيادة العامة، وعن تهريب أحمد جبريل ومن معه من المقر، لكن سرعان ما تعود المواجهات من جديد ويعود اطلاق الرصاص الحي تجاه اللاجئين العزل.

 

 

 

اذا ارتقى الشهداء العائدين بسلام من مجدل شمس وأصيب أخرون برصاص ابناء جلدتهم، أما كان من الأجدر أن تغادر قيادات وعناصر القيادة العامة المقر قبل وصول اللاجئين الغاضبين، أليس من الأفضل أن يحرق المقر للحيلولة دون هذه المجزرة البشعة، أليست الدماء الفلسطينية أغلى من المقرات والممتلكات، وهنا أنا لا أبرر للهجوم على مقر القيادة العامة لكن القرار الحكيم ليس باطلاق النار وقلتهم، القرار كان يجب حقن الدم الفلسطيني والخروج من مقر القيادة العامة.

لقد خيل لي أنها مواجهة مع الاحتلال، فالمشهد الذي ارتسم أمامي وعشته يحاكي مشاهد الانتفاضة الأولى وانتفاضة الأقصى وحتى العدوان الصهيوني على غزة.

 

 

لذا يجب محاكمة المسؤولين عن هذه المجزرة البشعة وعلى جميع الفصائل والقيادات الفلسطينية التدخل لوقف نزيف الدم الفلسطيني على يد الفلسطيني، ومن الأجدر أن يبقى السلاح مشرعا في صدر العدو الصهيوني، وبعيدا عن الحسابات السياسية، وأن تكون دماء الشعب الفلسطيني والمصلحة الوطنية فوق كل الاعتبارات الولاءات السياسية.

نحن لا نقبل أن يكون الدم الفلسطيني شماعة للآخرين، ليمتطوا صهوة تضحياتنا في سبيل غاياتهم وتطلعاتهم.

 

الرحمة للشهداء

نسأل الله أن يبعد عن شعبنا الفتنة