تشبث شديد بالسلطة في عالمنا العربي يحار معه المرء في مدى تمكن شهوة الحكم من النفس البشرية إلى هذه الدرجة التي يتوحد فيها الجالس والكرسي بحيث لا يستطيع الناس فصلهما عن بعضهما إلا بإحداث أذى كبير بالجالس يتنوع ما بين السجن والقتل والحرق.
قريباً طيرت لنا الأنباء أخبار احتراق أجزاء ليست قليلة من جسد الرئيس اليمني علي عبد الله صالح بسبب محاولة لاغتياله جرها إليه تمسكه بمنصب رئاسة الجمهورية عناداً لحشود شعبية هائلة لم يسبق لها مثيل في اليمن طلبت منه أول الأمر إجراء إصلاحات سرعان ما طورها كأترابه من الطغاة المتسلطين إلى رغبة جموح في مغادرة منصبه والرحيل الآمن بسبب صلفه وغروره ثم نحا بها إلى محاولة قتله بعد أن وصل حواره مع شعبه المناضل والمتمسك بحقوقه إلى طريق مسدود، وفشلت محاولات الالتفاف على الإرادة الشعبية التي حاول عملها ظناً منه أنه قادر على خداع شعب كامل ومراوغة جميع الوسطاء على اختلاف تنوعاتهم.
اليوم يقف اليمن على مفترق طرق صعب جره إليه علي عبد الله صالح وأعوانه المتمسكون بالحكم رغماً عن ملايين خرجت إلى الشوارع منذ شهور تطلب خلعهم جميعاً. واليوم تتآكل بعض حسنات صالح القليلة في اليمن؛ فالوحدة ذاتها أصبحت محل نظر في ظل مظالم أحدثها نظام صالح أدت إلى رواج بعض دعاوى الانفصال بين شطري اليمن والتي غذاها الفساد المتفشي في دواليب النظام، واستهتاره بحقوق ومطالب شعبه في الجنوب مثلما فعل في الشمال وأكثر.
والآن، يبدو الاستقرار حلماً عزيزاً يتمنى اليمنيون خصوصاً والمسلمون بصفة عامة أن ينعم به هذا البلد الذي يعاني مشكلات في كل الأصعدة الاقتصادية والتعليمية والصحية.. الخ، وقد كان الاستقرار أحد مزايا هذا النظام عندما حاول في لحظة ما أن يتسق ولو قليلاً مع تطلعات وآمال شعبه ويوسع من دائرة المشاركة السياسية، قبل أن يلجأ إلى توسيع دائرة الدسائس والمؤامرات، ويضرب أبناء شعبه بعضهم ببعض؛ فظهرت المشكلة الحوثية، والصدام مع بعض القوى والأحزاب المعارضة سواء أشرعية منها أم غير ذلك (قانونياً).
ولعلنا نلمس أن ما يحصل مع صالح هو عينه ما يحدث لكل حاكم عربي يحاول أن يستخف شعبه ويعاند إرادته ويلجأ إلى التصالح مع الخارج دون شعبه/القوة المدخرة لكل حاكم حصيف.
لقد نجح الرئيس المصري محمد أنور السادات يوماً في تحقيق نصر مشرف على عدو الأمة الإسلامية والعربية/"إسرائيل".. حينها لو كان أجرى استفتاء على شعبيته لوجدها تلامس عنان السماء، لكن الأعوام مضت ونسى الحاضنة الرئيسة له، وهي الشعب المصري المتدين؛ فصدمه بكامب ديفيد والانفتاح والتردي الوظيفي لدور مصر؛ فكانت نهايته الحزينة..
واليوم صالح يكرر النموذج نفسه؛ فحين تمكن من إبرام الوحدة، وأبدى تسامحاً نسبياً حيال الساسة الجنوبيين، وخلص الجنوبيين من الطغمة الشيوعية واليسارية في عدن، حظي بتأييد واسع في الشمال والجنوب، وعندما أمعن في الظلم، وأدمن المراوغة واللف والدوران، والتحريش بين قوى الشعب، بل واستحضر "عفريت" الحوثيين ثم لم يتمكن من "صرفه"، وبدت فتنتهم تستشري، حرق مراكبه فبدا طريق العودة مستحيلاً، ثم زحفت النيران باتجاه كرسيه وجسده اللصيق.