ربما كانت الحسنة الوحيدة لنظام حسني مبارك هي موقفه المناوئ لدولة المجوسية الجديدة بقيادة آيات الضلالة في طهران، حتى لو كان الباعث على ذلك هو الحرص على كبح جماح التمدد الصفوي في المنطقة العربية، الأمر الذي يزعج مصر ويؤثر سلباً على مكانتها القيادية في العالَم العربي.
ولولا الإشارات المتنافرة التي تصدر عن الحكومة المصرية الانتقالية في الفترة الأخيرة، لما تذكر أحد حسنة النظام النادرة للنظام المخلوع!!
فلقد بدأ غَزَلٌ خفيٌّ ومريب بين الملالي ومصر عقب سقوط مبارك، في محاولة رافضية خبيثة لاقتناص مصر بأي ثمن، من خلال اصطناع مودة يعلم كل من يعرف حقيقة القوم أنها كاذبة 100%، فهؤلاء لا يحبون أحداً غير أنفسهم، فكيف إذا كان ذلك "الأحد"عربياً، بل إذا كان بحجم مصر وتاريخها المجيد في التصدي لدول الرفض حتى تلك الدولة العبيدية التي استولت على مصر بالقوة والخديعة معاً؟!
ولاحت بوادر استجابة مصرية مبهمة للمخاتلة الصفوية، تمثلت في القبول المتسرع بمبدأ إعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، ثم فوجئ المصريون باكتشاف دبلوماسي إيراني ينشئ شبكة تجسس لملالي قم على الأمن القومي المصري، الأمر الذي يوضح مدى الخفة لدى الذين خدعوا أنفسهم بمزاعم طهران المُقَنّعة، فإذا كانت هذه تتجسس على القاهرة في ظل انقطاع العلاقات الدبلوماسية بين العاصمتين، فكيف سيكون مستوى التجسس بعد تجديد هذه العلاقات؟
وكم هو مريب أن تقوم الحكومة الموقتة بتسفير الجاسوس الخائن بدلاً من محاكمته، وهو ما يُعَدّ سابقة خطيرة للغاية، وبمثابة دعوة مجانية لكل من يهمه إيذاء الأمن القومي لمصر العزيزة!!
وكم هو مريب كذلك أن تتعجل حكومة انتقالية-وبعبارة صريحة:موقتة-في اتخاذ قرارات مصيرية كهذه، قد تكون نقطة تحوّل شديدة الضرر على حاضر البلاد ومستقبلها.
وليت ذوي العقول-ومصر غنية بهم-يفكرون في سر سفر وفد "شعبي"إلى الدولة المجوسية بعد افتضاح الجاسوس الصفوي بساعات!! فأي قراءة سياسية متوازنة للتزامن بين الحدثين، تؤكد مدى تغلغل الرافضة في نسيج المجتمع من خلال عملائهم المترفضين سفاهةً أو عمالةً، للإيحاء بفرض أمر واقع ترفضه الغالبية الساحقة من المصريين.
وقد يعمد العملاء المحليون إلى تضليل الرأي العام بعقد مقارنة فاسدة بين الاستعجال الخطير في تطبيع العلاقات بين القاهرة وطهران، ومبادرة مصر إلى فتح معبر رفح مع قطاع غزة بصفة دائمة!! فشتان بين خطوة تلقى إجماع المصريين لأنها تعبير عن إسلامهم وعروبتهم ووطنيتهم وإنسانيتهم في وقت واحد، وبين تصرف يهدد الأمن القومي للبلد، وهي على الأقل مسألة جدلية، وإن كنا نجزم بأن أكثرية الشعب المصري لا تقبلها البتة.
إن كل عاقل يعرف أبجديات الإستراتيجيا يعلم أن العداء بين مصر ودولة أبي لؤلؤة لم يكن عداء شخصياً من الرئيسين: أنور السادات وحسني مبارك، بل إن أشد النظم المصرية عداء لإيران هو نظام جمال عبد الناصر. وليس لمن يتذاكى علينا بأن العداء كان يومئذ بسبب حكم الشاه المخلوع، ليس له سوى التأكيد أن نظام الملالي أكبر شرّاً من نظام الشاه البائد.فالشاه كان متغطرساً ويكره العرب لكن خطره كان عسكرياً محضاً على الحدود، أما خميني وأشياعه فخطرهم وجودي وتواطؤهم مع الصهاينة والصليبيين لم يعد خافياً إلا على عميان البصيرة!!
وإذا كنا ننتقد الانخداع "المصري" غير المفهوم بألاعيب طهران على يد حكومة غير منتخَبة، ونحذرها من مغبة تعاميها عن قناعات المصريين التي رفضت خرافات الرافضة منذ قرون، فإن من واجبنا الإشادة بكفاءة أجهزة الأمن المصري ويقظتها في السهر على الأمن القومي لأرض الكنانة الغالية على قلوب العرب والمسلمين كافة.