المساجد صانعة الثورة
28 جمادى الثانية 1432
محمود سلطان

لا يزال البعض يتهم "المساجد" بأنها كانت وراء الحشد لحسم استفتاء 19 مارس لصالح "الإعلان الدستوري".. الاتهام يصدر بنزعة فوقية واستعلائية، تنطلق من الأفيهات الجاهزة والتي تعتبر كل ما يتصل بالدين من مظهر فهو بالضرورة يستحق "التأفف" منه باعتباره إحدى تجليات "الظلامية" والردة الحضارية!

 

 

النكتة ـ في هذا الموضوع ـ أنه لولا المساجد ولولا صلاة الجمعة في الجوامع على وجه التحديد ما نجحت الثورة .. لم تستطع أية قوة سياسية في مصر، بما فيها الجماعة الأكبر والأكثر تنظيما "الإخوان المسلمون" من حشد "مليونية" في أيام الأسبوع العادية، إلا يوم الجمعة انطلاقا من المساجد، وبعد أن يقضى المصلون صلاتهم.. بل إن مبارك تنحى يوم "الجمعة" ـ 11 فبراير ـ وهو تتويج إلهي لهذا اليوم الذي كرمه كتاب الله بسورة تحمل اسمه .. كما شرحت منزلته وبركته السنة النبوية الشريفة.

 

 

بات من المضحك حقا، ان يتبجح البعض ويتعالى على "المساجد" فيما يرفل في نعيم الحرية والديمقراطية اليوم بفضل المساجد التي لولاها لظل مبارك وعصابته يتقلبون فيما نهبوه من أموال البلاد والعباد.. ولظلت مباحث أمن الدولة تعبث في مواطن عفة الوطن.

 

 

المساجد ليست "شريكا" في الثورة.. وإنما هي التي صنعتها.. وهي التي أشعلت كامل ميادين مصر.. وحافظت على وهج الثورة وعافيتها على مدى 18 يوما.. وشاء الله أن يتوج دورها بأن يجعل من يوم الجمعة هو يوم رحيل مبارك نفسه.. وهو توقيت ذات دلالة رمزية نقلت يوم الجمعة من يوم "عطلة" واسترخاء على هامش حياة الإنسان ليكون اليوم الذي ما انفك يقض مضاجع الديكتاتوريات العربية في صنعاء وطرابلس ودمشق .. وعواصم اخرى يضع حكامها الظلمة والجبارون أياديهم على قلوبهم خوفا ورعبا كلما أشرقت شمس يوم الجمعة.

 

 

باتت المساجد يوم الجمعة، هي "الطليعة الثورية" و"الإقليم القاعدة".. هي "القائد".. هي بؤرة اهتمام العالم.. الكل ينتظر مآلات الأحداث في العالم العربي بعد ظهر كل يوم جمعة.. باتت فضائيات العالم تنقل على الهواء مباشرة صلاة الجمعة من مساجد صنعاء وبنغازي ومصراته .. والعيون إليها متعلقة والقلوب وجلة .. ففي كل يوم جمعة يزاد الربيع العربي تألقا وتوهجا واقترابا من قصور الطغاة.. ويشغل العالم بالسؤال عمن عليه الدور منهم ؟

 

 

جمعة الغضب .. جمعة التحدي .. جمعة الرحيل .. هكذا كانت عناوين الثورات العربية.. حيث ارتبط ربيعها بالمساجد وبيوم الجمعة.. وبهدير الثوار "الله أكبر" .. وسيظل يوم الجمعة هو مناط الثورة والثوار والورقة التي ستردع في المستقبل أي نظام سياسي قد تغريه السلطة ويغرر به الأفاقون وينسى أن مبارك ـ وفي عز وحشيته الأمنية ـ ُطرد من عرشه وزال سلطانه.. يوم المساجد.. يوم الجمعة.

[email protected]