أنت هنا

الجامعة العربية.. مشكلة أشخاص أم أزمة نظام؟!!
16 جمادى الثانية 1432
موقع المسلم

اختارت الدول العربية بالإجماع –وهي قلما تجتمع-وزير الخارجية المصرية الدكتور نبيل العربي أميناً عاماً لجامعة الدول العربية، ليخلف عمرو موسى المتحفز لترشيح نفسه لمنصب رئاسة الجمهورية في مصر العزيزة.

 

والدكتور العربي دبلوماسي مخضرم وهو يحظى بتقدير واسع في العالَم العربي كله، فتاريخه يؤهله للظفر بالاحترام، الذي نما وتضاعف خلال الأسابيع القليلة التي تبوأ الرجل فيها موقع ربان الدبلوماسية المصرية عقب انتصار ثورة25يناير2011م.فقد استهل العربي عهده على رأس خارجية أكبر بلد عربي بخطوات مهمة على طريق استعادة أرض الكنانة مكانتها الريادية برفض التبعية العمياء لواشنطن والتحالف البغيض مع الكيان الصهيوني ضد أشقائها العرب والمسلمين.

 

وقد استبشر كثير من الناس باختيار نبيل العربي لقيادة مسيرة الجامعة العربية في فترة حساسة  هي مفترق طرق تاريخي بكل المقاييس، وذلك بالنظر إلى نجاحاته السابقة والأخيرة، متجاهلين الفروق الموضوعية الكبيرة بين الموقعين:القديم والجديد.

 

فوزير الخارجية الكفء في أي دولة محترمة ينهض بأعباء منصبه بكثير من السلاسة واليسر،  لأن مصدر القرار الإستراتيجي الذي يتولى تنفيذه مصدر واحد أو ينبثق من رؤية موحدة وأسس متجانسة.ولا تختلف الحال اختلافاً ذا بال حتى في فترات الانتقال كالتي تمر بها مصر مؤخراً، لأن الخطوط الرئيسية موضع اتفاق غير مكتوب رسمياً وشعبياً، بحكم التناغم الجلي بين المجلس العسكري الذي يقود البلاد في الوقت الحاضر والأغلبية الساحقة للشعب المصري، وهو تناغم تأسس في مرحلة التخلص من نظام حسني مبارك بأقل تكلفة بشرية ممكنة.

 

أما جامعة الدول العربية فهي تعيش مرحلة موت سريري –بحسب المتشائمين-، أو أنها تعاني من إشكالات بنيوية إذا أخذنا برأي المتفائلين أو الأقل تشاؤماً وسوداوية.وفي كلا التشخيصين المذكورين، فإنه ليس لدى نبيل العربي الكثير الذي يمكنه فعله لكي ينجح في ما أخفق فيه سَلَفُه موسى، بل جميع الذين تقلدوا هذا الموقع الذي لا يُحْسَد عليه صاحبه.

 

فما الذي أنجزتْه الجامعة على مدى خمس وستين سنة من عمرها؟
إنها مؤسسة حكومات لا تمثل شعوبها في أكثر الأحيان، وتتصارع في ما بينها، فلا تتفق إلا على البطش بشعوبها وتكميم أفواهها.ولذلك كان العقم هو السمة التي تدمغ مناشط الجامعة باستثناء حقلَيْ : أمن النظم الحاكمة ورؤيتها المغلقة للإعلام. وباتت توصيات الجامعة مضرب المثل على الشكلية والبؤس، حيث تتصدى لقضايا الأمة بالخطب الرنانة والبيانات الجوفاء،  سواء في المجالات السياسية والعسكرية والاقتصادية بل والثقافية!!

 

ولقد أَسْهَمَ اشتراطُ ميثاقها إجماعَ الدول الأعضاء في رداءة أداء الجامعة، إذ يستطيع حاكمٌ نرجسي واحد أن ينسف موافقة21عضواً!!

 

ولعل المرحلة الراهنة من عمر الجامعة هي الأشد سوءاً في سجل حافل بالسوء جملة وتفصيلاً، لأن بعض الشعوب العربية تحررت من طغاتها، وبعضها الآخر يسعى إلى بلوغ هذه الغاية، الأمر الذي يزيد المشهد تعقيداً، والخلافات العربية عمقاً وشدة.بينما ترزح الجامعة الآن في أسوأ دركات شللها إزاء محنة الشعب السوري  تحت مطرقة نظام مسرف في دمويته من دون أن يصدر عن الجامعة النائمة مجرد بيان صحفي!!

 

وكأن المشفقين على نبيل العربي ينطلقون من المقولة الشعبية الشهيرة:فالج، لا تعالج!!فهم لم يكونوا يتمنون لهذا الدبلوماسي البالغ سن الخامسة والسبعين أن يختم مسيرته الموفقة في "مقبرة"الجامعة الميؤوس من شفائها، ما لم تتم إعادة تأسيسها على قواعد مختلفة جذرياً عن مأزقها المديد، لتغدو منظمة منسجمة مع تطلعات الشعوب العربية، وقادرة على الحركة الرشيقة، فتركز على التعاون المثمر في شؤون الاقتصاد والفكر، والتنسيق الجاد في السياسة الخارجية، على غرار الاتحاد الأوربي الذي بدأ مسيرته بعد الجامعة بسنوات لكنها سبقها فعلياً بسنوات ضوئية، علماً بأن الأوربيين يتكلمون لغات شتى، وكان بينهم حروب مريرة على امتداد قرون من الزمان!!

 

فهل سيردد نبيل العربي –ولكن بعد فوات الأوان-ما قاله الشاعر العربي قديماً:
    عجوزٌ تُرَجّي أن تكون صبيةً         وقد لحب الجنبان واحدودب الظَّهْرُ
    تَدُسُّ إلى العطّار مِيرةَ أَهْلِها          وهل يُصْلِحُ العطارُ ما أفسدَ  الدّهْرُ